قضية العلويين قابلة للحل في إطار قيم المواطنة في الجمهورية التركية ودستورها الجديد المُنتظر أن يوسع هامش مشاركة كافة مكونات المجتمع في صناعة القرار
لن نعيد اختراع العجلة، ولن نكرر ما ورد في مقال: (فوبيا الطائفية وصناعة الأعداء)، لكننا سنحاول تحديد الخصوم بدقة أكثر، كل القوميين العرب لا يوجد عندهم خصومة بين العرب تسمى (شيعة وسنة)، لكنهم يقبلون الخصومة مع إيران وفق رؤية سياسية بعيدة المدى لا تكرر عنتريات صدام حسين، بل تحيل العدو إلى صديق، فكيف بجارٍ ما من صداقته بدّ، لكن هناك من العرب الشيعة والسنة من يزدهر سوقه إذا ازدهرت الطائفية، فمن هم هؤلاء تحديدا؟
إنهم أولئك الذين يرون السعودية جزءا من خريطة الصراع الطائفي، ولهذا يدفعونها باتجاه إيران كتصعيد لا يريدون له حلاًّ، وكانوا يتغاضون عن (تركيا إردوغان) التي لا يرضون لها أن تكون ضمن هذه الجغرافيا المشتعلة، إنهم أصحاب الإسلام السياسي حتى ولو تكلموا لغة الثقافة والتنوير، وعليه فقد يقول قائل: إذاً فرمز الإسلام السياسي هي إيران، وبذلك تصبح هي الخصم الحقيقي، وهذا لأول وهلة صحيح، ولكن كل الدول العربية بشكل ما ولفترات طويلة لعبت لعبة الإسلام السياسي، من أنور السادات الذي جاء بشعار (العلم والإيمان) ليفتح الباب للإخوان المسلمين فيقتلوه بسبب علاقته بإسرائيل، وصولا لصدام حسين الذي أضاف عبارة (الله أكبر) للعلم العراقي من باب (الأسلمة)، وهو يرش شعبه كالحشرات سنة وشيعة أكرادا وعربا بالكيماوي دون تمييز طائفي أو عرقي!!، حتى (تركيا إردوغان) دخلت هذا المستنقع، هذه هي تخريجات الإسلام السياسي التي شوهت الدين ليصبح مطية للسياسة، فحتى رموز الاستبداد في الوطن العربي كانوا قبلة للدعاء والمباركة من قبل شيوخ الإسلام السياسي، خصوصا حركة الإخوان التي كانت تتداخل مع جسد الحكومات العربية المستبدة وتأكل على مائدتها، أخذاً بسياسة (ترعى مع الراعي وتعدي مع الذيب)، فهي شريكة الحزب الوطني الحاكم في كعكة الحكم، وهي سيدة المعارضة في الانقلاب عليه، وهكذا هي في كل البلدان العربية، وسيكررون اللعبة بأشكال وصور شتى.
لنلاحظ أن الإخوان المسلمين يدفعون كالصقور بأقصى ما يستطيعون لرفع مستوى المواجهة بين السعودية وإيران، ولكنهم يتسامحون كالحمائم إلى حد الذوبان في مطالبهم تجاه (تركيا الإردوغانية)، فليست في نظرهم ملزمة بهذا المستوى من التصعيد ضد إيران، بل ويثنون على دهائها السياسي في حسن جوارها وعلاقتها التجارية والمالية مع إيران رغم العقوبات الدولية على الأخيرة، ويمتدحون سياسة تركيا تجاه إيران في الفصل بين المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري وبين نزاعات النفوذ، ويغفر الإسلاميون لها حتى علاقتها مع إسرائيل والركض بها لمستويات عليا من التعاون اللوجستي، وعليه فتركيا يمكنها أن تكون على علاقة طيبة مع إيران ولا خطر على (تركيا السُنيَّة) من تصدير الثورة ولا من كل الشعارات التي يملؤون بها عقول الدهماء في السعودية، بل لا يرى الإخوان في (تركيا حزب العدالة) على أنفسهم خطرا من التقارب التركي الإيراني، لقد أجازوا لإردوغان ما لا يجيزونه لأنور السادات في علاقته بإسرائيل، يقتلون الأول ويمتدحون الثاني على نفس الفعل، يجيزون (لتركيا إردوغان) أن تكون براجماتية في التعاطي مع إيران ولا يجيزون للسعودية سوى أن تكون عقائدية مع جارتها إيران، إنهم يطالبون السعودية التي فيها قبلة المسلمين (سنة وشيعة) أن تكون رأس حربة ضد (الشيعة) وليس ضد إيران فقط، ولنلاحظ أن الحكومة السعودية إذا صعدت خصومتها مع الحكومة الإيرانية وفق ضرورة سياسية قابلة للتغير والتحول، يقوم الإخوان المسلمون بخلط الأوراق لجعل المعركة بين سنة وشيعة، لتخسر السعودية بذلك حتى تعاطف الشيعة العرب من غير الخمينيين، وليقحموا السعودية في مطب الخصومة العقائدية التي لا تليق بدولة عضو في هيئة الأمم المتحدة، فالخصومة العقائدية تليق بداعش وميليشيا التطرف الشيعي.
أما على مستوى الدول فالمصالح السياسية والاقتصادية والأعراف الدولية في حسن الجوار هي التي جعلتنا نمد جسور الود مع كل دول العالم، اعترافا بحوار الحضارات والأديان لا صدامها، وواجبنا أن نكون ابتداء دولة سلام، نقاتل فقط دفاعا عن أنفسنا، فالغواية الطائشة التي قادت صدام حسين لحرب ثماني سنوات استغلها الإسرائيليون لضرب المفاعل العراقي، واستغلها الأميركيون لبيع السلاح إلى إيران فيما سمي بفضيحة (إيران جيت)، وتم تنسيق بيع السلاح إلى إيران عبر إسرائيل، وعليه فالإخوان المسلمون عموما والسروريون داخل السعودية خصوصا، في كل أطروحاتهم السياسية يدفعون باتجاه الحرب الطائفية، ففي اليمن دفعوا باتجاه الحرب بالمعنى الطائفي، ليقطعوا حبل المودة المحتمل بين المملكة وبعض المكون اليمني الأصيل، متجاهلين المبررات السياسية والدولية التي وضعتها الحكومة السعودية كأرضية لتحالفها الدولي، والآن هم يطربون لكل نغمة تصعيد باتجاه المواجهة بين إيران والسعودية بالمعنى الطائفي، فالتصعيد بين بلدين له طبيعته وفق العرف السياسي، حتى ولو أدى إلى إسقاط طائرة عمدا، كما حصل بين تركيا وروسيا، لكن التصعيد بين طائفتين سيفتح الباب لتجار الشنطة وميليشيات التطرف، وحركات الإسلام السياسي العابرة للحدود من كل طائفة ومذهب كما نرى في سورية، بالإضافة إلى دوائر الاستخبارات للدول العظمى لتضرب هذا بذاك، وأخيرا تقوم بتصفية الفائض عن حاجتها بطائرات الدرونز التي لا تستأذن حكومة ولا شعبا، ليصبح معظم المجال الجوي العربي حِلاًّ أميركيا مستباحا، تخلط فيه أوراق بعضنا ببعض، والثابت المطمئن الوحيد في كل هذه الفوضى إسرائيل التي ستتحول مع تراكمات الضعف والخيبة العربية إلى الحضن الدافئ الآمن لمعظم دول الجوار، أو نرتمي جميعا في حضن (تركيا إردوغان) كما تمنى الإخوان المسلمون.