نحن نعاني من شخصنة الحوار حتى من بعض مدعي الثقافة والعلم بكل أطيافهم. وظللنا نعاني كثيرا من هذه الظاهرة. فبمجرد أن يحتدم النقاش يتحول إلى مباراة، كل طرف فيها يريد التسديد على مرمى الخصم، وستكون الشخصنة هي النهاية الطبيعية لهذا الحوار.
البعض يعتقد أن الهدف من الحوار محاولة تغيير رأي الآخر وإقناعه ليكون نسخة مطابقة منه!، ويغضب إذا فشل في تغيير قناعات الآخرين بعد كل هذا المجهود. لذلك، نسمع كثيرا عبارات مثل أوضحت له، أثبت له، ضربت له الأمثلة ورغم ذلك لم يغير قناعته!، أصبح هدفه من الحوار أن يجعلك نسخة منه، ويريدك أن تتبنى كل ما يؤمن به، ولو لم تفعل ذلك لغضب عليك وبدأ بشخصنة الأمور، واتهمك بالجهل أو الغباء، لأنه يعتقد أنه فعل كل ما بوسعه لينقذك مما أنت فيه. وهذه كارثة أخرى، فهو يرى أنك أرهقته في النقاش والحوار وأجهد نفسه وضيع وقته من أجلك، ومن أجل أن ينقذك من فكرك، ولهذا تكون ردة فعله سلبية تجاهك إذا ضاع كل هذا المجهود الذي فعله ولم تقتنع برأيه.
وفي المقابل، هو لا يريد أن يقتنع برأيك ويستحيل أن يغيره مهما أوضحت له وأثبت له.
يجب أن تعرف أني أتحاور معك وهدفي ليس تغيير قناعاتك أو جعلك نسخة مكررة مني، وإنما أتحاور معك لأوضح لك ما هي فكرتي، أو لأستوضح منك ما هي فكرتك تجاه أمر معين، فلا تنتظر مني أن أغير قناعاتي، ولا أنتظر منك أن تغير قناعاتك.
إذا آمنت بهذا المبدأ قبل أي نقاش أو قبل أي حوار، صدقني لن تقع في مستنقع شخصنة الحوار، والنزول بمستوى النقاش، لأن المبادئ والقيم تسقطان عندما لا نعرف حدود الاختلاف.