ست سنوات كان فرمان علي خان قد قضاها في جدة على ساحل البحر الأحمر، حينما غرقت بعض أحيائها في السيول الشهيرة عام 1430، أو ما يطلق عليه السعوديون كارثة جدة.
في ذلك الأربعاء الحزين، نجح فرمان خان في إنقاذ أربع عشرة نفسا بشرية؛ من الأطفال والنساء والرجال، استعان ذاك البطل الأسطوري بالأخشاب والحبال، غامر بنفسه وسط تحذيرات الموجودين، ومحاولتهم منعه، لم يلتفت، دخل في مواجهة حتمية مع الموت. بذل كل ما يستطيع لإنقاذ الناس، وسط سيول جارفة منقولة، لا تترك شيئا في طريقها إلا أتت عليه.
عاد فرمان خان لإنقاذ الشخص الخامس عشر، لم يستطيع قاوم حتى سقط وسط السيول، جرفته بعيدا، فغرق، وفاضت روحه.
هكذا بذل حياته، وذهب حكاية بطولة تروى للأجيال.
بعد الحادثة بفترة، كرمت الحكومة السعودية البطل الباكستاني فرمان خان ومنحته وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى؛ تقديرا لبطولته النادرة، ولأسرته أيضا التي كرمتها الحكومة الباكستانية في الفترة ذاتها بقطعة أرض ومبلغ من المال.
ليلة التاسع والعشرين من رمضان الحالي، نقلت الأنباء من جدة -يا للمفارقة العجيبة- خبرا يقول إن الباكستاني قلزار خان قام بتفجير نفسه بحزام ناسف مستهدفا الأبرياء في جدة، ليموت على مسافة لا تتجاوز بضعة كيلو مترات من المكان ذاته الذي مات فيه فرمان خان!
باكستان ليست قلزار خان الذي حاول قتل الأبرياء، وروّع الآمنين. باكستان هي فرمان خان ذلك البطل الذي أنقذ حياة البشر.
وبين قلزار خان وفرمان خان تتجلى الآية الكريمة: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.