العمليات الإرهابية التي نفذها مجندو داعش خلال الفترة الماضية، أثبتت أن مخطط التنظيم المجرم يلاقي قبولا في عقول الناشئة، وفق أهدافه التي تتركز على بث الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، عن طريق التشكيك في عقائدهم وولاءاتهم الدينية التي لا تتوافق مع مبادئهم الإجرامية، فيتخذونها مدخلا لتلويث فكر الشباب والسيطرة عليهم، من مبدأ إخلاص العبادة لله، ومحاربة الآخرين الذين يوالون الكفار والملحدين على حد زعمهم، وعليه يجب تصفيتهم بأي طريقة كانت، ودون النظر إلى صلة القرب مهما بلغ مداها. ومن هنا كانت جرائمهم تستهدف الأقربين في الأسرة وبطريقة وحشية تفصح عن فظاعة ما شحنت به عقولهم.
الفئة المنفذة للعمليات الإرهابية صغيرة، إذ إن معظمهم لم يتجاوزوا العشرينات، وهنا الخطورة المتمثلة في قوة اختراق التنظيم لجميع الحواجز، والوصول بهذه القوة إلى هذه الفئة وتطويعها، بحيث تنفذ ما يطلب منها دون خشية أو تردد، ليكون إجرامهم الأبشع على مستوى العالم. هناك من يعزو قوة اعتناقهم لهذا الفكر إلى انتشار التقنية الحديثة، وسهولة التواصل وسرعته، لكن هل يعقل أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي هي وحدها من ساعدت المتطرفين في الوصول إلى عقول هؤلاء الشباب وحقنها بهذا السم؟ لن تكون الإجابة بنعم منطقية، لأنها لو كانت كذلك فقوة التأثير لتنظيمات أخرى تنتهج الطريق نفسه ستكون موازية في القوة وعدد المعتنقين للفكرة، غير أن الواقع يثبت أن معتنقي فكر داعش تشربوه عن قرب، وبجرعات مكثفة وملازمة للشخص كظله، بحيث لا تترك له فرصة للتفكير فيما يفعل، وهذا مؤشر يوضح مدى قوة اختراق التنظيم وتغلغله داخل المجتمع، وكيف أن عناصره قد يستغلون كل المواقع والأماكن التي يوجد فيها هؤلاء الفتية الصغار بكل سهولة، ليبدؤوا التأثير عليهم في سن مبكرة وبطرق غير ملحوظة، وبطبيعة الحال تعليم الفترة الأولى هو الأشد أثرا حتى إذا ما وصل الفتى إلى السن التي تساعده على البعد عن رقابة الأسرة، والدخول إلى الفضاء الأثيري بحرية تتيح لكثير من مرتادي هذه المواقع فرصة التعرف عليه، فإن وسيلة إيقاظ برمجته القديمة سهلة جدا، مع بعض المؤثرات التي تطرق على وتر الغيرة على الدين ومحاربة الكفار وإنكار الباطل والشهادة في سبيل الله، وغيرها من الشعارات التي تتبناها التنظيمات المتطرفة، وتتخذها وسيلة للتأثير على العوام، ولأن العنصر مجهز سلفا فهو لا يبحث إلا عن الأداة والضحية، فجميعها متوافرة وكل المنفذين جهزوا من الداخل، وهو الأولى بالتركيز على محاربة ما بث فيه من أفكار إرهابية ليست وليدة اليوم، هي من الأمس وما قبله!.