حدث في (2206) بمستشفى الأطفال في الأحساء
أرعبني النظر إليها.. بقايا طفلة في الثامنة من عمرها تزن خمسة عشر كيلو تقريبا مسجاة على السرير الأبيض بدون غطاء، وكانت الجروح والكدمات والحروق تملأ جسدها بالكامل، بجانبها سيدة (فهمت من حديثها أنها جدتها لأمها) تبكي وتنتحب حتى اعتقدت أن البنت قد فارقت الحياة، اقتربت منهما وقبل أن أسأل سؤالا واحدا، توجهت لي هذه المرأة بالحديث (اقتربي يا بنتي وانظري ماذا فعلت بها زوجة أبيها) رفعت أطراف ثوب البنت وأرتني رأسها ويديها وعينيها وآثار التعذيب بادية بوضوح، وهمّت بأن تريني بطنها وظهرها كذلك لكني اعتذرت فلم أحتمل رؤية جسد هذه الطفلة النحيل بهذا الكم الهائل من الألم، بكيت لحالها لكني لم أعرف ما أقول سوى الدعاء لها بالشفاء، حاولت التحدث للبنت فلم تجبني ولم تبد أية تعابير على وجهها لكن جدتها أخبرتني أنها لا تتكلم ولا تستطيع المشي، قبل أن أغادر مدت لي الجدة جوالها وقالت انظري إلى هذه الصور، نظرت إليها على عجالة لكنها كانت تشبه صور أجساد المعتقلين في السجون الوحشية، لا فرق، كانت هذه الصور لباقي جسد هذه الطفلة.
خرجت غاضبة وناقمة.. استفسرت كثيرا، وتحدثت إلى جهات أخرى أكثر، استغربت عدم ظهور هذه الحالة للإعلام وعن تستر المستشفى ولجنة الحماية من العنف الأسري في هذا المستشفى، أحد الصحفيين الذين طلبت منهم مساعدة الطفلة، وإيصال حالتها وصورها للناس لرفع الظلم عنها؛ فضل الاتصال بمدير الشؤون الصحية مستفسرا عن الطفلة، فأخبره مدير الشؤون الصحية بأنه لا يعلم عنها شيئا واكتفى هو بإعلامه. ولكن (أبشركم) عندما علم بالأمر أرسل لها باقة ورد.
أما الجهة المعنية بحقوق الإنسان التي أبلغتها بالأمر فقد اتصلت بي إحداهن لتخبرني بلغة ساخرة مؤلمة إلى حد البكاء (أقلقتينا يا بشاير الله يرضى عليك، البنت ما فيها إلا العافية وتقرير الشرطة يقول طاحت من فوق الطاولة) ثم ضحكت، وقالت (لكن على ما يبدو أن ارتفاع الطاولة 30 مترا تقريبا)، أجبتها مندهشة وحالة البنت وجدتها والصور اللي في جوالها، لكنها قاطعتني (خلاص انسي الموضوع واقلبي الصفحة).
لم تغب فاطمة (هذا هو اسمها) عن مخيلتي بجسدها النحيل وآثار التعذيب المبالغ فيه، ترى كيف استطاعت تحمل كل هذا الكم من الألم، ذهبت للاطمئنان عليها مرة أخرى لكنهم نقلوها إلى غرفة أخرى ولم أتمكن من معرفتها.
قلبت الصفحة لكن كل الصفحات على ما يبدو قد تلونت بالسواد.
beshayer@alwatan.com.sa