إن الشمس لا يغطيها غربال. قد تستيقظ متأخرة أحيانا لكن سرعان ما تشرق وتنثر أشعتها اللامعة على العالم. قصة كفاح ويتشترل حولت خالد من شخصية مستكينة مستسلمة تقليدية إلى شخصية منتجة ومبتكرة ومثيرة
خالد العيسى (47 عاما) يشبه سيارة الإسعاف. بدين ويركض بسرعة فائقة. عندما يسير في حرم الجامعة في بريطانيا يفسح الطلاب الطريق له. يتوقفون ليمر خشية أن يرتطم بهم هو وحقيبته الكبيرة. يحمل في هذه الحقيبة كل شيء. علبة غير صغيرة فيها رز وقطع دجاج. قارورة بيبسي عائلية. أربعة كتب ضخمة. وبحثه الذي يحتفظ دائما بنسختين منه. والأغرب من ذلك كله قميص إضافي. يقول عن هذا القميص الذي يرافقه في حله وترحاله وهو يبتسم بتبذير: تعرفني. إنني شخص مستعجل. ودائما يتسخ قميصي وأنا أأكل أو أشرب دون أن أشعر كالأطفال. فلا مجال للمغامرة!.
خالد الذي يتمتع بروح فكاهة عالية لا ينافسه أحد فيها لديه أيضا إرادة حديدية جعلته يواصل ركضه دون توقف. فرغم ابتعاده عن الدراسة لمدة 15 عاما ولديه أربعة أطفال إلا أنه يدرس ويكافح كأنه مازال في العشرين من عمره. يسهر في المختبر ومكتبة الجامعة. ولا يفضل مرافقتي أو أي من أبناء جلدته. يفضل البقاء مع مشروعه أو قليلا مع أسرته التي لا تدخر جهدا في دعمه وتشجيعه.
أثمر هذا العمل الدؤوب على حصول بحثه على دعم من شركة بريطانية متخصصة. ستقوم برعايته حتى يرى النور. سعادة خالد بهذا الفوز كانت أكبر من أن توصف. فقد صرف على هذا المشروع أكثر من أربع سنوات من ماله وجهده. زار عشرات المصانع المتخصصة في الأطراف الصناعية والأجهزة الطبية في دول العالم على حسابه الخاص. وتوصل أخيرا إلى تطبيقات حديثة تسهم في تخفيض تكاليف الإنتاج الباهظة وساعات الإنتاج الطويلة. ويأمل خالد أن تنجح دراساته العملية كما نجحت النظرية وتتوافر الأطراف الصناعية الجديدة في الأسوق العالمية في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
أقام خالد احتفالا صغيرا بمناسبة حصوله على الرعاية دعا إليه زوجته وأطفاله الأربعة. استهل الاحتفال بشكره العارم للعالم التشيكي أوتو ويتشترل الذي لم يلتقه قط. لكن يحفظ سيرته وإنجازاته عن ظهر قلب. فويتشترل لا يفارق خالد. صورته تتوافر في منزله وفي كمبيتوره ورأسه. يعتبره ملهمه الأول. فكلما ارتطم برفض شركة أو مؤسسة أو جهة تعليمية محلية أو خليجية لمشروعه تذكر معاناة العالم التشيكي وكيف تغلب عليها.
فقد طرد ويتشترل في عام 1958 من معهد الكيمياء التقنية في براغ بسبب خلافات أيديولوجية. ولكن لم يمنعه هذا الخروج المذل من المعهد الذي أنفق فيه الكثير من السنوات والأبحاث من متابعة مشاريعه من منزله بأدوات بدائية رخيصة وإمكانات مادية معدومة. نجح في عام 1961 في إنتاج أول أربع عدسات لاصقة حديثة باستخدام طقم ألعاب أطفال ماركة (ميركور). ورغم عزله وتهميشه إلا أنه استطاع أن يكمل مشوار أبحاثه بنجاح لافت. انتزع من خلالها اعترافا دوليا ولاحقا محليا. فقد تم تسمية مدرسة ثانوية باسمه وتم تكريمه على نطاق واسع في وطنه بعد سنوات طويلة عانى فيها من الوحدة والتشرد العلمي.
لم يفز ويتشترل وحده إثر هذه الإنجازات العلمية، بل العالم برمته. فكم أسعد هذا العالِم التشيكي العالم بعدساته المبتكرة التي ساعدت ملايين الرياضيين وغيرهم على ممارسة مهنهم وهواياتهم دون قيود تفرضها النظارات الطبية.
إن الشمس لا يغطيها غربال. قد تستيقظ متأخرة أحيانا لكن سرعان ما تشرق وتنثر أشعتها اللامعة على العالم. قصة كفاح ويتشترل حولت خالد من شخصية مستكينة مستسلمة تقليدية إلى شخصية منتجة ومبتكرة ومثيرة.
ثمة إمكانات مدفونة في كل واحد منا. فلنوقظها من سباتها العميق ونشعل حياتنا بالتحديات ولاحقا بالانتصارات.
ضعوا هدفا محددا لكم. وانطلقوا نحوه بسرعة كسيارة الإسعاف التي لاتعبأ بالطريق وازدحامه. تعبأ بشيء واحد فقط هو أن تصل إلى هدفها في أسرع وقت وبأقل الخسائر!