علي المطوع

على هامش الأحداث التركية الأخيرة، ولأنهم العرب -بجناحيهم العاربة والمستعربة كانوا وما زالوا يعيشون على هامش التاريخ- فقد مارسوا شيئا من ضجيجهم ولغطهم حيال الانقلاب الفاشل هناك. المتن كان في تركيا والهامش كالعادة كان هنا!.
البعض مارس دور المعارضة أكثر من أحزاب المعارضة التركية ذاتها، فشمت وفرح ببواكير أخبار هذا الانقلاب، وفريق كعادته شجب أي مساس بإردوغان وتجربته الديمقراطية النزيهة.
الأخيرون أسلموا هذه التجربة، وأضفوا عليها شيئا من الكرامات الإيمانية التي يجريها الله على أيدي أوليائه الصالحين، فانتشر تسجيل إردوغان وهو يقول:
لا غالب إلا الله لتكون حجتهم على طهره ونزاهته وسبقه في تمثيل الإسلام أشرف تمثيل.
أما الفريق الآخر، فقد سر كثيرا لهذا الانقلاب ودعا عليه متمثلا بالقول العربي المأثور إلى حيث ألقت رحلها أم قسعم، ليستغلها المؤيدون ويلبسونها شيئا من فوبيا التوجس التي تؤطر جدلهم وممانعاتهم فقالوا: أخطؤوا من فرط التصهين!.
التصهين أصبح إطارا يسجن فيه أنصار الزعيم مخالفيهم، والأخونة تهمة جاهزة يرمى بها عشاق إردوغان، والأخير وتجربته بينهما كالمتنبي في شطره الشهير ويسهر الخلق جراها ويختصم!. السؤال الذي ينبغي طرحه: كم يمثل هؤلاء الأقطاب نسبة في المجتمع السعودي تحديدا؟، والجواب يكمن في أنهم قلة قليلة، ولكنهم أكثر نفيرا. الغالبية العظمى من السعوديين بصفتهم الأكثر حراكا على وسائل التواصل الاجتماعي وسطيون بالفطرة، يشكلون السواد الأعظم من الناس، ليسوا بالمتشددين ولا ينتمون إلى أي تيارات فكرية مخالفة، لكن الأقطاب بثقلها في الحضور والتأثير، تحاول إبراز نفسها وكأنها الممثل الشرعي لهذه الفئة الغالبة عددا والضعيفة حضورا على مسرح الأحداث، وقد تكون هذه الأغلبية مأسورة لدى النافذين المقتدرين من رموز هذه التيارات، والذين يمارسون قمعا فكريا استبداديا تجاه المختلف والمخالف على حد سواء.
الحراك السياسي في تركيا في قمة مثاليته المتحضرة، يعكس وعيا إنسانيا بالديمقراطية ومفاهيمها وممارساتها على مستوى الفرد والجماعة.
التجربة التركية على مستوى الأطياف تيارات ومفاهيم، جسدت معنى اللحمة الوطنية والموت في سبيلها والمحافظة عليها، لأنها شعوب واعية تمارس الديمقراطية من الشارع إلى البرلمان.