أخبرني باحثون غربيون كثر بأن هناك من يستغل غيابكم لخدمة مصالح دول أخرى على حساب دولكم، وهذا أمر متكرر ويحتاج إلى يقظة عاجلة وعمل مؤسسي كبير
من المعلوم أن قوى الضغط أو ما يعرف باللوبيات تنشط في مسارين رئيسين، أحدهما العمل للمصالح المباشرة للدولة الداعمة من حيث الترويج لها أو التأثير على القرارات التي من الممكن أن تتخذها دولة أو مجموعة دول ضدها وتقليل مخاطرها إلى أقل قدر ممكن، ومحاولة تحسين صورة الدولة الداعمة وإبراز نقاطها الإيجابية وإخفاء أو تقليل النقاط السلبية لها. أما المسار الآخر فيركز على السعي لضرب خصوم الدولة الداعمة أو أعدائها من خلال بث الشائعات وتكثيف الصور النمطية السلبية عنها، والتعتيم على نقاطها الإيجابية أو التقليل من أهميتها.
مؤخرا حضرت مؤتمرا أقيم في العاصمة الأميركية واشنطن، وفي أحد أبرز بيوت الخبرة (Think Tanks) هناك حيث كان المؤتمر يناقش مستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية، وعلاقة هاتين الدولتين مع دول المنطقة، وقد كان من بين المحاضرين الرئيسيين (Key Speakers) مسؤول رفيع في البيت الأبيض يشرف على ملف الأمن القومي الأميركي، كما شارك بالمؤتمر وحضرته شخصيات بارزة وباحثون معروفون على مستوى العالم وبعض أعضاء اللوبي الإيراني في أميركا وعلى رأسهم تريتا بارسي الذي ما إن تنبه لتواجدي بعد مداخلتي في إحدى الجلسات حتى أخذ يلاحقني بنظراته بشكل مُلفت!
في إحدى الجلسات التي تناقش علاقة إيران بدول المنطقة تفاجأت بأن أحد الباحثين الأميركيين المحاضرين في هذه الجلسة بدأ أمام الحضور يقدم معلومات مغلوطة عن المملكة العربية السعودية وطبيعة الخلافات بين الرياض وطهران، والجميع ربما اعتقد أنه كمتخصص وخبير يقدم معلومات صحيحة. طلبت التداخل وصححت بعض المعلومات المغلوطة، ولكن الأهم أن تلك الجلسات جعلتني أكثر يقينا بأن عملا ممنهجا ومؤسسيا بالدرجة الأولى يدور في أروقة تلك المراكز وفي سياق قوى الضغط وإن تخفى بعض عناصرها خلف مناصب إدارية أو اهتمامات بحثية.
خلال استراحة قصيرة بين جلسات المؤتمر اقترب مني عدد من الحاضرين وبعضهم من أصول عربية وحدثوني عن مواقف بعض المتحدثين السلبية المتكررة من دول الخليج العربي والمملكة على وجه الخصوص. إن غالب الأعمال ترتكز على تشويه صورة المملكة وتقديم إيران بأنها دولة تسعى إلى السلام والأمن في المنطقة. مثل هذه الممارسات ليست محصورة في مراكز الفكر وإن كانت أهمها، بل نجدها في بعض الصحف والمجلات ذات الاهتمامات السياسية، وهذا أمر أصبح مألوفا في عدد من الصحف الغربية.
من هنا نؤكد أننا في حاجة إلى التواصل الدائم مع مراكز الأبحاث الغربية والأميركية تحديدا، ونعمل على تكثيف حضور المؤتمرات والندوات وورش العمل المرتبطة بقضايا المنطقة، التي تقيمها تلك المراكز وبيوت الخبرة لتقديم وجهة نظرنا بكل وضوح، كما أن هناك أيضا حاجة ملحة لإقامة بعض ورش العمل والندوات بالتشارك بين بعض مراكز الدراسات الغربية والخليجية لتقديم صورة متزنة وعقلانية بعيدة عن تأثير قوى الضغط، فحضورنا الخليجي والسعودي تحديدا يصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة، والأهم أنه سيشكل ضغطا على تلك اللوبيات متى ما حرصنا على تقديم المعلومة الدقيقة والصحيحة بشكل عقلاني ومتزن ودون شخصنة للموضوعات أو مهاجمة المتحدث وتجريحه.
إن غيابنا كدول ومؤسسات بحثية خليجية عن الأنشطة البحثية والمؤتمرات والندوات التي تقام في الدول الغربية ينعكس سلبا على صورة دولنا، ويتم استغلال ذلك لتشويه مواقفنا وقلب الحقائق، وقد أخبرني باحثون غربيون كثر بأن هناك من يستغل غيابكم لخدمة مصالح دول أخرى على حساب دولكم، وهذا أمر متكرر يحتاج إلى يقظة عاجلة وعمل مؤسسي كبير، كما أننا في حاجة ماسة لتفعيل القوة الناعمة التي نمتلكها حول العالم وعلى رأس ذلك يأتي الطلاب السعوديون في برامج الابتعاث، وحثهم على حضور الندوات والمؤتمرات التي تقام في جامعاتهم ومراكز الأبحاث في المدن التي يدرسون بها، وتوضيح الحقائق وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن دولنا، كما أنه يقع على عاتق الأندية الطلابية السعودية في الخارج مسؤولية كبيرة في هذا الاتجاه بحكم احتكاكهم بشرائح المجتمع عن قرب والانخراط في العمل التطوعي، وكل ذلك يتطلب دعما وتعاونا كبيرين من الملحقيات الثقافية السعودية، من خلال تكريم الطلاب والطالبات الذين يقومون بأنشطة اجتماعية وثقافية تنعكس إيجابا على صورتنا كدول وشعوب على حد سواء.