أذكر من أيام طفولتي كيف كان يستقبل الحاج في مناظر بهيجة من الزينة حيث الأعلام تنصب، والسرادق تقام، والأنوار البهيجية تحيل ظلمات الليل نهارا، كله احتفالا وإعلانا بقدوم الحاج من الديار المقدسة، بعدها يصبح اسمه الحجي (الحاج) وتبدأ التهنئات لهذا الحدث الحاسم في حياة الإنسان وهي رحلة العمر، وحين يبدأ الحاج في الكلام يحمد الله ويحوقل ويبسمل ثم يقول الحمد لله هذه حجتي رقم 17 فيتعجب الناس ويزدادون في التهنئة ويكررون معه الحمد لله الحمد لله، ثم يخجلون من أرقامهم المتواضعة في سبع أو ثمان حجج؟ وكيف سبقهم أبو عبدالله بالرقم 17!
ثم يسألونه ومتى ستكون رقم 18 القادمة فيقول لئن أعطاني الله عمرا حججت كل سنة مرة! هنا ينظر الناس في بعضهم البعض وكم هم مقصرون في أداء الفريضة التي يجب أن تكون كل سنة مرة!
أعرف أن هذا الموضوع حساس وأعرف أن المملكة قامت بعدة أشياء من أجل توفير الحج لمن لم يحجوا في عمرهم من القادمين من مونتريال وأوسلو وكازاخستان وجزيرة كمشتكا وسخالين وبيتاغونيا وسيبريا وموسكو، فليس من مدينة في الأرض ـ أكرر مدينة وليس قطرا ـ إلا ويأتي منها حاج من فج عميق، وهؤلاء القادمون من الفجاج يتمنون الحج مرة واحدة في العمر ولا تتيسر لهم! مقابل من يحاول الحج كل سنة، وهو يعني أنه أخذ مكان إنسان قادم من مكان بعيد، لذا عمدت المملكة إلى تدابير مثل الحصص من كل دولة، ثم تصريح الحج بحيث تفسح المجال كل خمس سنوات مرة؟
الأخ الذي التقيته في الدمام ذكر لي أنه سيحج بدون تصريح حج؟ قلت: كيف؟ قال نذهب إلى جدة، وفي يوم الوقفة عرفات لايمنعون أحدا! فنقف في عرفات ثم نرجع إلى منى، ثم نؤخر رمي الجمرات لاحقا... في حج مارثوني فعلي، لا يتطلب أكثر من ساعات قليلة! قلت لزوجته سائلا هل تحجين للمرة الأولى؟ قالت لا سوف أحج عن خالتي التي لم تحج! وتعجبت أكثر حين سمعت أحدهم يقص روايته للحج! سألته إن كان لم يحج؟ قال لا حججت قبل ثلاث سنين! حسناً ولماذا تحج الآن ولن يعطوك تصريحا للحج؟ قال عن والدتي! قلت متأسفا عفوا لم تحج والدتك إذن؟ قال لا لقد حجت سبع مرات! عجيب إذن تحج عنها للمرة الثامنة؟! قال هذا أفضل بر أفعله لوالدتي!! سكت وأنا في البر وكيفية تحصيله؟ وأعلم علم اليقين أن الجدل في هذه القضايا لانهاية له خاصة إن كانت من القضايا الخلافية.
شاهدي في موضوع الحج أن الذي يحج للمرة العشرين يأخذ مكان 19 حاجا فيما أعتقد فاتتهم الفرصة، خاصة في ظروف اجتماع وزحام هائل لملايين من البشر يحتاجون فيها إلى زحام أقل! ناهيك عن الحوادث التي تقع في مثل هذه الظروف، وهو أمر متوقع في زحمة ملايين من البشر في مكان محدود؟ لقد روت لي دلال من سوريا وكذلك زميلي محمد أن كليهما سقط إلى الأرض وكان بينه وبين الموت شعرة من دهس الأرجل لهم! ورمي الجمرات كان مشكلة كبيرة حتى حل بطريق المسارات والأدوار وكذلك ترطيب المنطقة ببخار وغابة فعلية..