أعتقد جازما أن الجميع قد قرأ أو استمع إلى قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، والتي اشتهرت بقولته رضي الله عنه: عققتَه قبل أن يعقك، من هذه القصة يستشف المستمع والقارئ الدور الحقيقي للأب المستحق للإحسان والذي لا يقتصر على الوصاية والزجر فقط دون بقية الأدوار المفترض تطبيقها قبل الوصول إلى مرحلة الوصاية، منها على سبيل المثال كف حاجة الابن المادية وتوفير بيئة صحية وأمنية وتعليمية جيدة.
أشعر فيما يعرض هذه الأيام من مانشيتات مستفزة يطلقها بعض أعضاء مجلس الشورى، أن البعض يحاول جاهدا في نقاشاته وتصريحاته اتخاذ دور الأب الوصي، وعلى الرغم من أنه قد قفز متجاهلا جميع المراحل السابقة للوصاية، إلا أنه ما يزال ينتظر الطاعة والإحسان الشعبي المستحق، مقابل مجهوداته التي لا يراها سوى أعضائه.
بدا لي هذا الشعور في آخر مستجدات أبونا المجلس، وهي مطالبة أحد أعضائه برفع الدعم الحكومي عن الدقيق، بغرض إيقاف سيل الإسراف والإهدار في الخبز، وتوفير مبالغ لدى خزينة الدولة في مقابل تجاهل هذا العضو وزملائه المئات من القضايا والدراسات التي من شأنها تحقيق حياة تعليمية كريمة للمواطنين، ومنع إهدار المليارات في المدارس الأهلية والجامعات الخاصة محليا وخارجيا، وتوفير بيئة صحية راقية تمنع أفراد مجلسه من إسراف ملايين الريالات للعلاج في مستشفيات أوروبا وشرق آسيا، إضافة إلى رفض معظم الدراسات التي تقف على مناقشتها أحلام مئات الآلاف من المواطنين، مثل دراسة الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين، وزيادة المكافئة الجامعية للطالب، ومناقشة أسباب الأداء الضئيل للهيئات الرقابية. أظن أنه إذا كان من حق مجلس الشورى ممارسة الوصاية الأبوية، فإن عليه تقديم كل الحقوق المفروضة على الأب تجاه أبنائه، قبل المطالبة بأي واجبات منهم، أما إذا ما استمرت هذه التصريحات المستفزة للمواطنين، فإن أبونا المجلس قد عقّنا قبل أن نعقه.