يجمع المراقبون على أن تداعيات الفلوجة ستكون كبيرة، وربما تصل شظاياها إلى أبعد من العراق. وهذا ما يؤكد مجددا أن 'داعش' في عامه الثاني ما يزال ضرورة إيرانية

بالأمس الجمعة 10 يونيو، صادفت الذكرى الثانية لسقوط الموصل على يد تنظيم داعش عام 2014. وسقط مع الموصل أكثر من نصف العراق، بطريقة ما زالت لغزا حتى الآن، إذ تُركت المناطق بأسلحتها وأموالها دون أية مقاومة من حكومة المالكي، مما ساعد على إعلان داعش دولته في سورية والعراق.
حدثت هذه العملية بعد شهر ونصف الشهر من الانتخابات العراقية البرلمانية في الثلاثين من أبريل 2014، وكانت نتائجها فوز القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي بـ91 مقعدا، في حين أن قائمة دولة القانون برئاسة نوري المالكي حصلت على 89 مقعدا، مما شكل إحراجا وقلقا لدى الحرس الإيراني الذي كان يدير العراق مباشرة بعد الانسحاب الأميركي نهاية 2010، عبر المالكي وحزبه الذي كان قد خسر انتخابات 2010 أمام القائمة العراقية برئاسة علاوي، إلا أن التفاهم الأميركي الإيراني على الانسحاب من العراق ضرب عرض الحائط نتائج الانتخابات.
جاءت انتخابات العراق 2014 بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2013، والتي شكلت محطة مفصلية في السياسة الإيرانية الخارجية، إذ خسر الحرس الإيراني الانتخابات الرئاسية، بفوز الرئيس روحاني في الانتخابات بعد ثماني سنوات من تحكّم الحرس بالسلطة في إيران عبر الرئيس محمود أحمدي نجاد. حاول الحرس الإيراني التعويض عن خسارته في إيران بالانتخابات العراقية عام 2014، وكان يريد الاحتفاظ بالسلطة العراقية عبر حليفه نوري المالكي، ولكي تبقى تحت سيطرته مقدرات العراق المادية واللوجستية، وخصوصا بعد أن ورّط العراق بالنزاع في سورية. لم تأت نتائج الانتخابات العراقية كما يريد الحرس الإيراني، مما زاد من مأزقه في العراق.
إن ظهور داعش وانتشاره السهل والمفاجئ الغامض وغير المتوقع، يحتّم علينا أن نضعه في سياق الظروف والتطورات الإقليمية والدولية في العراق والمنطقة، وأهمها كان خسارة الحرس الإيراني الانتخابات في إيران والعراق، هذا بالإضافة إلى تطورات الميدان السوري، وفشل الحرس الثوري الإيراني في القضاء على الثورة السورية كما كان يعتقد، وخلال أشهر قليلة، إضافة إلى  التدخلات الإقليمية والدولية المتسارعة بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية في سبتمبر 2013، ودخول الهيئات الدولية لسحب السلاح الكيماوي. وقد اعتبر ذلك نكسة كبرى لإيران التي اضطرت أن تُسلِم بدور كبير لروسيا في سورية.
إن هذه الحقائق تؤكّد لنا أن الحرس الإيراني  قبل العاشر من يونيو 2014 كان يعاني من مشاكل كبيرة في كل من إيران وسورية والعراق، وأن خروج الأميركي من العراق نهاية 2010 والذي اعتبره الحرس فُرصة له تحوّل إلى نكبة عليه، إذ خرج الأميركي من المأزق العراقي، وبقيت إيران وحدها في ذلك المأزق. كما أن عملية بناء الدولة العراقية لم تكن يوما في الأولويات لدى الحرس الإيراني، لأن مهمته هي تصدير الثورة والفوضى واعتبار العراق غنيمة. 
بعد ظهور داعش في 10 يونيو 2014  تغيّر الوضع في سورية والعراق، وتغيّر الموضوع، وأصبحت الحرب على الإرهاب في أولوية السياسات في المنطقة. وعاد الأميركي إلى العراق، وتأسّست ميليشيات شيعية في العراق موالية لإيران إلى جانب الدولة، كما هو الحال في لبنان وسورية واليمن، حيث تمتلك إيران قوّات مسلّحة خارج سلطة الدولة المركزية، وتحت إمرة الحرس الإيراني مباشرة. ثمّ تشكّل التحالف الدولي لمحاربة داعش من 62 دولة، وجاءت طائرات التحالف للإغارة على داعش، ثمّ دخلت القوات الروسية مباشرة على الميدان السوري لمؤازرة النظام وإيران، ووقّعت إيران اتفاقها النووي مع المجتمع الدولي في 14 يوليو 2015.
بعد كل تلك التطورات، لم يعد هناك أدنى شك في أن إيران لولا داعش لكانت في حال من الانهيار التام في سورية والعراق، ولكانت تواجه تداعيات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق، والأزمات الناتجة عن تعاظم النزاع في سورية. وكان لا بد من اختراع تطور كبير يغير في طبيعة الأوضاع، تحول فيه إيران مأزقها الخاص إلى مأزق للمنطقة والعالم، ويلزم الولايات المتحدة بالعودة إلى العراق، ويعطي الحرس الإيراني فرصة لتشكيل ميليشيا خاصة به، تتحكم في الدولة تحت مسمّى الحشد الشعبي ومحاربة الإرهاب.
بعد عامين على سقوط الموصل، جاءت انتخابات إيران 2016 لتؤكد خسارة الحرس الثوري الإيراني، ومعها المظاهرات المكثّفة في بغداد والهتافات ضد إيران والحرس الإيراني بالذات، ثم اقتحام مجلسي النواب والحكومة، وظهور اعتراض علني من الشيعة العرب على الدور الإيراني في العراق.
ذهبت حكومة العبادي وإيران والحشد الشعبي إلى إشعال معركة الفلوجة التي يقودها قاسم سليماني علنا تفاديا لانهيارات بغداد أمام التظاهرات على اعتبار الأولوية لمحاربة داعش. ويجمع المراقبون على أن تداعيات الفلوجة ستكون كبيرة وربما تصل شظاياها إلى أبعد من العراق. وهذا ما يؤكد مجددا أن داعش في عامه الثاني ما يزال ضرورة إيرانية.