ما الذي يخسره صاحب المشروع لو تحول إلى العمل في ساعات المساء؛ بدءا من زوال الشمس إلى منتصف الليل؟!

تتميز المناطق الصحراوية، ومنطقة الرياض منها، بارتفاع درجات الحرارة طوال العام، مما يجعل السير في الشوارع أو العمل تحت أشعة الشمس مخاطرة كبيرة لا تحمد عواقبها. نعلم ذلك جيدا، لكننا نرى العمال في المشاريع الحكومية والأهلية يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة، وتحت درجات حرارة تصل أحيانا إلى 55 درجة مئوية.
وكذلك الحال بالنسبة لعمال خدمات التوصيل في بعض الأحياء، حيث يستخدم العامل في نقل البضائع للبيوت دراجة نارية تفتقد أبسط اشتراطات الوقاية من ضربات الشمس، مثل المظلات والمراوح الهوائية، هذا فضلا عن اشتراطات الأمن والسلامة.
وحين ننتقل إلى الدوائر والمؤسسات الحكومية والجامعات، نجد خدمة مواقف السيارات، إما غير متوفرة المستشفى العسكري، مستشفى الشميسي، إدارة تعليم الرياض،...، مما يدفع المراجع إلى صف سيارته على بعد كيلومترات من الجهة التي يراجعها، أو متوفرة في منطقة مكشوفة تمتد إلى ما يقرب من ثلاثة كيلومترات بجوار الدائرة الخدمية التي يراجعها مواقف الطلاب في الجامعات، مواقف مستشفى قوى الأمن.
وحين نتأمل أحوال المراجعين لتلك الدوائر والمؤسسات، نجد منهم المسن والمرأة والطفل، الذين لا يطيقون صبرا على السير تحت لهيب الشمس الحارق أميالا، حين يضطرهم بُعد مواقف السيارات أو عدم توافرها إلى الوقوف على بعد كيلومترات عدة من مقر الجهة التي يقصدونها.
تلك الحالات التي نعيشها ونعايشها يوميا حتى صارت عندنا عادية مع أنها غير عادية مطلقا، تحتاج إلى علاج فوري يرتكز على مسوغات إنسانية وطبية، فصاحب العمل ومالك المشروع اللذان يزجان بالعمال في قلب الظهيرة، وهما يجلسان تحت التكييف، ومهندس المشروع وصاحب السوبر ماركت اللذان يتنقلان بسيارات مكيفة، ومدير المستشفى والجامعة اللذان يصفان سيارتيهما في مواقف ملاصقة للمبنى الذي يعملان فيه، غير معفين البتة من المسؤولية حيال ما يعانيه العمال والمراجعون والمستفيدون؛ صغارا وكبارا، رجلا ونساء، ولا بد أن يقرّ كل منهم بمسؤوليته ويلتزم بالعلاج.
ما الذي يخسره صاحب المشروع لو تحول إلى العمل في ساعات المساء؛ بدءا من زوال الشمس إلى منتصف الليل؟! وما الذي يخسره صاحب السوبر ماركت والبقالة لو اشترى سيارة صغيرة لخدمات التوصيل، أو حتى لو اعتمدتْ العربات الصغيرة التي تستخدم في بعض الدول، وتعرف بـتكتك لخدمات التوصيل في محلات البقالة داخل الأحياء؟! وماذا حصل لو تحولت المواقف المكشوفة الممتدة إلى مواقف مسقوفة على مسافة أقصر، بحيث تكون ذات طوابق تجعلها تستوعب العدد نفسه من السيارات؟!
الحلول يسيرة ومتاحة، لكن العمل عليها يحتاج إلى قرارات حاسمة. هؤلاء البشر الذين يضطرون للعمل أو للمراجعة في هذه الأيام الصيفية الحارة يحتاجون إلى الرحمة؛ والراحمون يرحمهم الرحمن.