عدت مجددا للتفكير قبل يومين عن حال ومستقبل إعلامنا السعودي، وذلك أثناء تجولي في أروقة وأدوار متحف الأخبار Newseum في العاصمة الأميركية، والذي يقع على مقربة من مبنى تشكل القرار السياسي الأميركي الكونجرس، فالمبنى الحديث يأسرك بأدواره الستة وبجموع زواره المهتمين بالإعلام والخبر والتاريخ، والذين أتوا من جنسيات وأعراق مختلفة، إضافة إلى مئات طلاب المدارس الذين اصطفوا لاختبار قدراتهم الإعلامية أمام الكاميرات وخلف المايكرفونات التي وضعت لتحفزهم وتشجيعهم على التعبير عن الرأي، فربما يخرج منهم جيل جديد من لاري كنج أو برابرا ولتيرز أو مارتن لوثر كنج.
متحف الأخبار هذا ليس مؤسسة أو مركزا دعائيا للسياسة والإعلام الأميركي الحكومي، كما يتصور البعض، بل هو مزار يؤرخ للأحداث التي مرت بالعالم وبالولايات المتحدة من مصادر إعلامية مختلفة خلال العقود والقرون الماضية، ومنذ أن بدأت وسائل الإعلام في التوثيق ونقل الأخبار، وبالتالي فهو في غالبه متجرد عن التوجيه بالرأي الواحد، حيث إنه يوثق الأخبار والأحداث من وجهة نظر وسائل إعلامية ذات اتجاهات مختلفة، بما فيها بعض وسائل الإعلام العربية التي سطرت على صفحاتها لحظات مهمة من التاريخ الأميركي الحديث.
من هنا أقول: لماذا لا تقوم هيئة الصحفيين السعوديين التي دائما ما تلام بأنها لم تقدم شيئا للإعلام والصحفيين السعوديين بمبادرة من أجل تأسيس متحف لأخبار مشابه لهذا المتحف، يكون بمثابة حاضنة لجميع ما نقلته وسائل الإعلام السعودية منذ تأسيسها، إضافة لتوثيق ما نقلته وسائل الإعلام حول العالم للأحداث المحلية التي مست العالم، كحربي الخليج الأولى والثانية، وحادثة اجتياح الحرم، وحربنا المتواصلة على الإرهاب، إضافة لتخليد ذكرى أعلام وطنية كان لها أثر كبير مثل غازي القصيبي وحمد الجاسر وطارق عبدالحكيم وغيرهم، وبالتالي يصبح متحفا بانوراميا لأحداث الوطن، كما نقلته صفحات وشاشات وأثير عاصر بعضه القلة وبعضه الآخر عاصره معظمنا وبعضه شهدنا عليه جميعنا.
إلى جانب أهمية الدور التوثيقي لمثل هذا المتحف، فإنه ربما يكون النواة الأولى التي من خلالها يمكننا تعليم الجيل القادم من الإعلاميين المحترفين أو مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بعضا من المبادئ التي يقوم عليها العمل الإعلامي الصحيح من حرية التعبير وفق القانون وأهمية الموضوعية في النقل وأخلاقيات الممارسة المختلفة، عبر نقل قصص ونماذج مشرقة من تاريخ عملنا الإعلامي.
أتمنى أن تفكر هيئة الصحفيين السعوديين في مثل هذا المقترح، فربما يكون هذا المتحف هو الشيء الوحيد الذي سيتذكره لهم التاريخ.