نتوقع أن تواصل إيران، وحتى موسم الحج القادم، لطمها ونحيبها أمام مواطنيها وأمام بقية المسلمين عندما تسخّر قنواتها وتوظف سفاراتها ووكلاءها ليدخلوا معها في جوقة الحملة على هذه البلاد
أما العبارة الأصلية والمتداولة عند السعوديين فهي: حج ولم يعد، وكانت تطلق على بعض الحجاج الذين يتخلفون عن العودة إلى ديارهم بعد انقضاء موسم الحج، أما هذه المرة فقد حدث العكس بعدما وضعت إيران شروطا ومطالب تعجيزية لحجاجها، وهو ما لم تقبل به المملكة، لأن الحج ومراسمه وشعائره تسير دائما بالنسبة لجميع حجاج الدنيا في خطة واحدة لا تتبدل وفق ما رسمته الشريعة الإسلامية لأركان وشعائر الحج، لكن إيران منذ ثورة الخميني وهي تتحين موسم الحج لتجعل منه قميصا لعثمان تؤجج به الفتن وتخرق به الوحدة الإسلامية وتجرح فيه القدسية الروحية المعتادة لهذه المناسك. لكن المملكة -رغم كل المحاولات التنغيصية- وقفت سدا منيعا أمام السعي الإيراني لإفساد موسم الحج، خاصة بعد أن تكشفت خططها خلال بعض المواسم السابقة والتي شهدت خرقا إيرانيا فاضحا للتعهدات ثم ما تبعها من حوادث مميتة، ما جعل كل ذلك حافزا لردع هذه التوجهات الثورية التي تصدر الصراخ وتعمد إلى رفع الشعارات السياسية وإخراج الحج من روحانيته السامية إلى مجرد نزاعات دنيوية بئيسة.
ولا شك أن الحزم السعودي قد أسهم في إعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي، مما عزز من نجاح مواسم الحج لسنوات عدة، بفضل الخدمات الجليلة والتسهيلات التي تتطور تباعا عاما بعد الآخر، لكن إيران عادت مؤخرا سيرتها الأولى بعدما لمست مؤخرا أن المملكة قد تولت عروبيا مواجهة تمددها وتغلغلها الواضح في لبنان والعراق وسورية واليمن، ما دفعها -أي إيران- إلى محاولة الضغط على المملكة من خلال هذا الحدث الإسلامي السنوي الكبير، وهو ما ظهر جليا هذا العام من خلال التصعيد الإيراني للمطالب التي رفضتها المملكة كشأن طبيعي وسيادي وهذا بدوره جعل إيران ترفع عقيرتها بحجة منع المملكة للحجاج الإيرانيين وعدم الإذن لهم بأداء الفريضة، فكان ما كان من الرد السعودي على هذه الادعاءات وتوضيح الأسباب وفق الشروط الصارمة التي لن تسمح بتحويل الحج إلى مهرجان للشعارات أو الجدالات الخلافية، ولعل هذه المكاشفة الصريحة التي سمع بها العالم هي التي أحرجت إيران وأسقطت حجتها وادعاءاتها، وبالتالي فقد عادت لتعلن مجددا أمام العالم موافقتها على الشروط المفروضة، لكنها كانت تتعمد سلفا أن تحرج المملكة حين تبطن ما لا تظهر، وهكذا عاد الوفد الإيراني بعد ترحيب سعودي بهذا التحول في المواقف والقبول بالتوقيع على مذكرة التفاهم الملزمة لجميع الحجاج، وفعلا فقد جاء الوفد الإيراني لكنه مكث غير بعيد ثم غادر فجأة متعمدا أن يكسب الجولة هذه المرة أمام الرأي العام العالمي والإسلامي، وبالتالي صار واضحا أن إيران لا تريد حقيقة أن يحج مواطنوها، لأنها تعلم يقينا أن المملكة لن تسمح لهم برفع شعاراتهم البائسة، وبالمقابل فإنها ترى أنه قد يمكن لها أن تستثمر ذلك في استمرار الشكوى وادعاء المظلومية أمام الحزم السعودي.
ولأن إيران تعرف سلفا ما تخطط له وما هي أهدافه لهذا فقد هج وفدها الذي جاء بادعاء أنه سيوقع ثم عاد أدراجه ليبدأ الصياح والنواح كما هي أجندته المعتادة.
وهكذا فإن علينا أن نتوقع من الآن وحتى موسم الحج القادم أن تواصل إيران لطمها ونحيبها أمام مواطنيها وأمام بقية المسلمين وغيرهم من دول العالم، وستُسخّر قنواتها المتعددة، كما ستوظف سفاراتها ووكلاءها الذين تستأجرهم في كثير من الدول ليدخلوا معها في جوقة الحملة على هذه البلاد وأهلها، على النحو الذي يقتضي منا الاستعداد من الآن لإدارة هذه الأزمة المنتظرة وطرح الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة وتجهيز الحلول والإجراءات التي يجب اتخاذها في مواجهة حالة التبغيض والتنديد المتوقعة تجاهنا، وأن نتوقع أيضا تصعيد حملة تدويل الحج، لذا لا بد لنا من الآن أن نسخر سفاراتنا وطلابنا وأصدقاءنا في الخارج للوقوف بموضوعية وعلمية ومصداقية في وجه التكاذب والتحايل الإيراني المباشر أو الذي يتم بالوكالة من خلال الأقلام والضمائر المشتراة أو المستأجرة، ولهذا فإننا ننتظر من الآن تشكيل فريق إعلام وعلاقات عامة يكون مدعوما بالحقائق والأسانيد التي تفضح المخططات الإيرانية المحفزة للطائفية وتدخلاتها السافرة في شؤون الدول العربية المجاورة، ثم المبادرة في اعتماد أساليب الرد والتوضيح للعالم دون انتظار ما سيأتي من تهم إيرانية، حتى نبقى في موقع الفعل ولنبتعد عن ملازمتنا لرد الفعل.