على الرغم من وجود بعض المبادرات التي يطلقها بعض المهتمين باللغة العربية وعلومها، للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لبث الثقافة اللغوية، إلا أن تلك المبادرات تضيع في بحر هذه الوسائل التي يرتادها الجميع. ويرى أكاديميون ولغويون أن تأثيرها يظل محصورا بين مطلقيها أو بين من يؤيدون استخدام الفصحى في المقام الأول.
معاداة وعولمة
تقول نور العمودي من قسم الإعلام والعلاقات العامة لمبادرة بـالعربي على موقع تويتر إن المبادرة التي أطلقتها سمو تستهدف كافة أفراد المجتمع منذ عام 1435، وتحمل رؤيتها أن تكون مركزاً داعماً ومنتجاً لكل ما يعزز دور اللغة العربية ويبرزها باعتبارها هويّة ناطقة للمجتمع. وأضافت: نشاطات المبادرة تسير في اتجاهين الأول ميداني: من خلال الأنشطة المجتمعية، والثاني إلكتروني: من خلال منصاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي وتفعيل الحملات الإلكترونية.
وقال: العولمة جعلت أفراداً من المجتمع يولون اللغات الأجنبية العناية على حساب عنايتهم باللغة العربية، وربما يصل الأمر إلى معاداة اللغة العربية واعتبار من يستخدمها دون إقحام بعض المفردات الأجنبية في حديثه متخلفاً.
سوق العمل
يؤكد صاحب مبادرة مشابهة لـبالعربي أن الهدف تطوعي لخدمة لغة القرآن الكريم، ويقول مدير مبادرة ترقيش عبدالمحسن العنيـّق: نهدف لتعزيز مكانة اللغة العربية في السوق والتوعية بأهميتها وأنها جوهر الهُوية العربية. ونقصد بالسوق مكان البيع والشراء وسوق العمل عموماً، حيث تكون اللغة وسيلة التخاطب وتداول المنتجات سواء بالكلام المباشر أو المراسلة أو الإعلانات وغيرها من وسائل التواصل وأساليبه. بدأت المبادرة قبل سنتين تقريبًا وتستهدف التجار وأصحاب الأعمال خاصة والناس عامة لأن السوق جزء من حياتنا اليومية. أما أنشطتنا فتتنوع في أفكارها وإن كان تويتر منصة التواصل مع الناس غالباً. نشاطنا الأساسي هو التطوع بالمراجعة اللغوية لمنشورات الشركات وإعلاناتها بلا مقابل مالي، وإضافة إلى ذلك فنحن نقدم خدمة (واسم ) وهي مخصصة لاختيار أسماء عربية مميزة لأصحاب المشاريع.
بدون حلول
ترى الكاتبة القطرية شيماء سلطان أن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت في انتشار اللغة العربية، حيث أنه لا مجال لجعل اللغة العربية طي النسيان أبداً وأكثر ما يمكن ملاحظته هو تواجد الكتّاب من الفئات العمرية الصغيرة ويمكن اعتبار ذلك مؤشر جيد إلى حدّ ما فيما تبقى الجودة وفصاحة ما يكتب وهذا أمر لا يمكن قياسه من شبكات التواصل الاجتماعي نظرًا لطبيعتها. وتضيف التدقيق اللغوي في كل العالم متواجد كعمل احترافي ومطلوب في بيئات العمل والإبداع المختلفة،وأنا شخصيًّا أشعر أحيانًا بأننا نقوم قسرًا بخلق إشكاليات عن انتشار اللغة العربية وغيرها من الدعوات التي لا تعطي حلولاً إنما ترسخ لفكرة المشكلة.
بين الرسمية والحميمية
تعلق الناقدة وأستاذة اللغة العربية والأدب بجامعة الملك سعود و الدكتورة ميساء الخواجا على القضية المطروحة قائلة يصعب وضع اللغة المستخدمة في وسائل التواصل الاجتماعي،في سلة واحدة،إذ إنها تختلف باختلاف المستخدم وطبيعة الموقف،فعلى سبيل المثال يغلب على مستخدمي تويتر من المثقفين والأدباء استخدام الفصحى بل إن بعضهم يستخدم لغة أدبية عالية المستوى مستفيداً من هذا الموقع في نشر مدونات أدبية ونصوص أدبية قصيرة. ويمكن قول الأمر نفسه عن الفيس بوك الذي أصبح بدوره ساحة لنشر الكثير من النصوص وغالباً ما يأتي التعليق عليها من قبل المتابعين بلغة فصحى أيضا. أما مجموعات الـواتس اب فغالبا ما تميل بدورها إلى استخدام فصحى بسيطة بين مستخدميها. أما فيما يخص التواصل الخاص على الـواتس اب فهذا مجال بروز العامية بشكل أكبر وبالتالي يختلف استخدام لغة التواصل باختلاف الموقع وطبيعة العلاقة بين المتواصلين وأظن أن العامية تظهر كلما قربت العلاقة بين المتحدثين وأظنها صارت مؤشراً على مدى رسمية العلاقة أو حميمتها ولا ينبغي ان ننسى هنا وجود لغة ثالثة للتواصل لاسيما بين فئة الشباب وهي العربية المكتوبة بحروف لاتينية وهذه هي الأكثر خطورة على العربية وهي التي أراها مهيمنة على لغة كثير من الشباب في محادثاتهم على وسائل التواصل المختلفة.
أما فيما يخص مبادرات تأصيل الفصحى على مواقع التواصل فلا يمكن إنكار أهميتها لكن مثل هذه المبادرات تظل محصورة فيما أرى بين مطلقيها أو بين من يؤيدون استخدام الفصحى في المقام الأول بينما مازال تأثيرها محدوداً ،وأظن أن الأمر يحتاج إلى تأسيس وعي مبكر بأهمية الفصحى على مستوى مناهج التعليم المبكر وعلى مستوى معلمي اللغة الغربية إضافة إلى دور الإعلام.