سلمى الشهري

قرأت قبل أشهر عبارة استوقفتني جدا، تقول إذا أخبرت صاحبك أنك لا تستطيع الاستغناء عنه، خسرته. والمتعمق في معنى هذه العبارة يجدها صحيحة، وتنطبق بشكل واقعي على العلاقات التي تربط بين الأفراد بعضهم بعضا.
ما ترمي إليه تلك العبارة باختصار، هو أن التقرب الزائد ربما يؤدي إلى تهرب الأشخاص ونفورهم، لأن الشخص مهما أحببته ومهما عنى لك، يجب أن يأخذ مساحته وحريته في تمضية حياته وفق ظروفها، والتقارب مع بقية المجتمع، خصوصا الذين تجمعه معهم تقاطعات مهنية، أو هوايات مشتركة.
إظهار المشاعر مطلوب، ولكن يجب ألا يفيض عن الحد المعقول، فطبيعة النفس البشرية بكل بساطة تفضل العيش دون قيود أو حدود لتصرفاتها، ووجود شخص يؤثر على حرية الفرد وخياراته، ربما يحول تلك المحبة والمعزة إلى كره ونفور من هذا الشخص القريب، ربما تصل إلى انقطاع تلك الروابط في بعض الأحيان.
لذلك، نجاح العلاقات التي تربطنا بالآخرين، أيا كان تصنيفها؛ آباء، إخوان، أخوات، أزواج، أصدقاء، أخلاء أو قرابة.. الخ، جميعها تعتمد على إعطاء المساحات وحرية التصرف للفرد.
لنكن صريحين مع بعضنا عندما نقول إن الإنسان يمر أحيانا بمرحلة من شدة الضغط -ولأي سبب كان- يكره نفسه، يريد التخلص من كل شيء، ويتمنى لو قُدّر له أن يأخذ غفوة من الحياة كافة لبعض الوقت.
لا نأخذ الأمر على محمل شخصي، صحيح أن الإنسان يشعر بالسعادة إذا وجد اهتماما من قريبه أو قرينه، وسؤاله عن الحال والأحوال، ولكن سيشعر بالسعادة عندما يُعطَى مساحته كاملة، وعندما يعود ليتكئ فيجد هذا العكاز كما عهده، دون غضب أو عتب.
ما أثار هذه العبارة عليّ، أجريت اتصالا بصديقة لي وجارة فرقتنا ظروف الحياة، كنت أقضي معها معظم يومي، وتعيش أحداثها كاملة معي، لم تُبد -عند اتصالي بها- أي مشاعر استياء عن طول الغياب، بل استوعبت أسبابه، كانت سعيدة لأجلي، وتعذر ظروفي، وتعلم أني مشغولة، وهي في انتظاري لنحتفل سويا.
ما أود قوله والوصول إليه، هو أنه مهما وصلت علاقتنا مع الأشخاص المقربين منا، وتعمقت تحت أي حكم كان، لا بد من إيجاد مساحة يكون فيها الشخص حرا في تصرفاته وأفعاله، مسؤولا عن نفسه، وهذا لا يعني أن نهملهم مقابل ذلك إذا احتاجوا إلينا.
الرابط بيننا وبين الآخر كالشعرة، كلما زاد الشد، انقطعت.