هل سيتمكن روحاني من استعادة ثقة خامنئي ويفوز بفترة رئاسية ثانية كجميع رؤساء الجمهورية السابقين أم أن خامنئي قد حسم موقفه من روحاني ويعمل حاليا على تجهيز لاريجاني للرئاسة؟

 وصلت إيران خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد إلى مرحلة ما يسمى بـعنق الزجاجة، فشهدت تدهورا اقتصاديا كبيرا وفقدت العملة المحلية أكثر من 75% من قيمتها أمام العملات الصعبة، وازدادت البطالة وارتفعت نسب التضخم الاقتصادي لتصل إلى معدلات غير مسبوقة. وعلى الجانب السياسي، جاء نجاد بعد فترة ما يسمى بحكومة الإصلاحات برئاسة محمد خاتمي وما شهدته تلك الفترة من انفتاح لإيران على دول المنطقة والعالم والعمل على تجميل صورة إيران خارجيا. لم يكمل نجاد هذا المسار، أو بالأصح لم يرغب خامنئي في استمراره بهذا الطريق، بل اتجه نحو المصادمة من خلال التصريحات النارية والخطب الرنانة في الداخل والخارج، الأمر الذي انعكس سلبا على ما حققه سلفه من إنجازات في هذا الصدد. أيضا شهدت فترة نجاد عملية قمع واسعة للشعب الإيراني، وكانت أبرز أمثلة ذلك قمع المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها إيران عام 2009 بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وفوزه بدورة رئاسية ثانية.
من المعلوم أن أوامر القمع لم تخرج من نجاد شخصيا، بل من رأس الهرم علي خامنئي الذي أمر الحرس الثوري بالنزول إلى الشوارع وقمع المتظاهرين وإخماد أنصار الحركة الخضراء وإخضاع رموزها للإقامة الجبرية، إلا أن ذلك ارتبط أيضا باسم نجاد لسببين، أحدهما أنه وصل إلى الرئاسة لدورة ثانية بعملية تزوير كبيرة في الانتخابات على حساب الإصلاحيين، وثانيهما أن عمليات القمع حدثت في عهده وحكومته في الواجهة.
من هنا، كانت جمهورية المرشد بحاجة إلى عملية تجميل كبيرة، كما أن الواقع السياسي والاقتصادي يحتاج إلى رئاسة معتدلة وذات مواصفات قيادية وسمات شخصية محددة وتوافق ذلك مع رغبة الشارع الإيراني الذي يتوق إلى التغيير، حتى وإن كان بدرجة ضئيلة، ولذا تم انتخاب حسن روحاني رئيسا للجمهورية. تعهد الأخير للولي الفقيه بإخراج إيران من عزلتها السياسية واختار المفتاح شعارا لحملته الانتخابية، وأطلق العديد من الوعود على المستويين الداخلي والخارجي. مما لا شك فيه أن روحاني نجح في جزء من مهمته وبخاصة التوصل إلى الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) وتسلمت إيران على إثر ذلك جزءا من أموالها المجمدة في الخارج بسبب العقوبات المفروضة على طهران والأهم رفع العقوبات المفروضة من مجلس الأمن، وتسلم إيران بعض أموالها المتعثرة في بعض الدول من بينها الهند، ولكن يبدو أن خامنئي بذلك قد وصل إلى قناعة شخصية بأن ما تحقق حتى اللحظة كاف، وأن روحاني والتيار المعتدل قد أديا دورهما المرحلي على أكمل وجه ولا رغبة للمرشد الأعلى في الاستمرار طويلا في هذا المسار.
شهدت الأشهر القليلة الماضية تراشقا إعلاميا مباشرا تارة ومشفّرا تارة أخرى بين خامنئي وروحاني وبخاصة في ملفات السياسة الخارجية والعلاقات مع أميركا والغرب، علاوة على ملفات داخلية مثل علاقة الحرس الثوري بالجانب السياسي والاقتصادي، وأهمية تدريس اللغات الأجنبية وبخاصة اللغة الإنجليزية في المدارس الإيرانية. حتى وإن كان الملف الأخير يبدو هامشيا إلا أنه يعكس الخلاف القائم بين رأس الهرم ورئيس الجمهورية، وهذا ربما يذكرنا بطبيعة العلاقة بين خامنئي ونجاد خلال الفترة بين 2010 و2013، حيث اتسمت بالتوتر وظهرت إشاعات باحتمالية عزل نجاد من منصبه.
على صعيد آخر، يأتي اختيار أحمد جنتي رئيسا لمجلس خبراء القيادة، وهو شخصية أصولية متشددة ومقربة من خامنئي، مؤشرا لمحاصرة التيار المعتدل ثم يأتي بعد ذلك بأيام إعادة اختيار علي لاريجاني رئيسا لمجلس الشورى الإيراني على حساب منافسه المعتدل محمد رضا عارف وبخاصة أن الأخير كان قد تنازل عن الترشح لصالح روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبالتالي كان من المتوقع أن يحظى بدعم كبير من الرئيس. لقد حظي لاريجاني بدعم من التيار الأصولي ومراجع قم، كما أنه حظي بتأييد من قاسم سليماني الذي حضر اجتماعا عقده لاريجاني قبل يوم من قرار اختيار رئيس البرلمان وقد ألقى سليماني كلمة امتدح فيها لاريجاني وكان ذلك بمثابة رسالة سياسية تعبر عن توجهات الولي الفقيه.
يبدو أن احتفال الإصلاحيين بفوزهم بعدد غير مسبوق من مقاعد مجلس الشورى الإيراني وتأييد الكثير من الدول الغربية لما رأوه من تغير كبير في التركيبة السياسية في الداخل الإيراني قد قادا خامنئي إلى قلب الطاولة في وجه الجميع، والتأكيد على ثبات النظام المتشدد ودعم مفاصل النظام بشخصيات مقربة منه. يبقى السؤال الأبرز: هل سيتمكن روحاني من استعادة ثقة خامنئي ويفوز في العام القادم بفترة رئاسية ثانية أسوة بجميع رؤساء الجمهورية السابقين أم أن خامنئي قد حسم موقفه من روحاني ويعمل حاليا على تجهيز علي لاريجاني، المنتمي لعائلة سياسية معروفة ويحظى بدعم من دائرة الطبقة الحاكمة في طهران، ليصبح رئيس الجمهورية القادم؟
الأشهر القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل، كما أن توجهات الرئيسي الأميركي القادم ستنعكس على قرار خامنئي أيضا.