يقول المتصوف الأندلسي أبو الحسن الششتري في القصيدة القديمة: شويخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغني.. أش عليّ أنا من الناس، وأش على الناس مني.. هذه القصيدة المليئة بالحكمة، وصلت للمستمع الخليجي في ثمانينات القرن الميلادي الماضي، بحنجرة البحريني أحمد الجميري.. حفظها كثيرون لجمالها وبساطتها، بل وحفظوا لحنها العذب..
الأيام الماضية عاد للسطح الجدل الصاخب المتعلق بالموسيقى.. هل الموسيقى حلال.. أم حرام؟!
هكذا ببساطة: لم يتبق لدينا سوى معرفة هذه الحقيقة العلمية الغائبة عن الأذهان: هل أغاني محمد عبده محرمة كلها أم هناك أغان مباحة؟!
المثير للاشمئزاز أن هناك أشخاصا يقدمون أنفسهم أنهم حماة للقيم والفضيلة -وهكذا ينظر لهم البعض- لم يتورعوا عن الإساءة المبطنة للشيخ الفاضل صالح المغامسي الذي قال بجواز الموسيقى..
لك أن تتخيل كيف لحارس الأخلاق أن ينبز شيخا جليلا، ويقلل من قيمته، فقط لأنه قال رأيه في مسألة خلافية!
الأهم من كل ما سبق، والذي يجب على هؤلاء أن يقرؤوه ويفهموه ويستوعبوه.. أن الذي يريد سماع الأغاني لن يلتفت مطلقا للذين يحرمون سماعها.. وسيستمع لها مرددا أش علي أنا من الناس وأش على الناس مني!
والذي يرى حرمتها لن يلتفت للذين يفتون بجوازها.. حتى لو أجازوها من منبر المسجد النبوي!
من يريد أن يستمع فليستمع.. ومن لا يريد فلن يجبره أحد على السماع.. هذا الجدل يستنسخ صورة الغابرين الذين احتدم النقاش بينهم.. وارتفعت أصواتهم.. وتحول الأمر بينهم إلى خلاف، كل هذا لأجل البيضة والدجاجة.. البيضة أولا.. لا، الدجاجة أولا.. الموسيقى حرام.. لا.. الموسيقى حلال!
في الواقع أن السنوات الثلاث الماضية غيرت معادلات كثيرة من حولنا، لكن لدينا أناس لا تستقيم حياتهم دون جدل صاخب.. يلتقطون شوارد التصريحات، أو التغريدات، أو الصور، ويقيمون على ضفافها حفلة شواء للحوم البشر، وشتم، وجدل صاخب.. للدرجة التي كتب فيها أحدهم ذات يوم: تويتر ممل هذه الأيام، ما فيه معارك وأكشن!