باراك أوباما أول رئيس أميركي يزور هيروشيما خلال ولايته الرئاسية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنه على غرار أسلافه لن يقدم اعتذارا لليابانيين عن إلقاء الجيش الأميركي قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين عام 1945 واللتين أحدثتا دمارا لم تحدثه أي من القنابل التي عرفها تاريخ الحروب. فالقنبلة التي ألقيت فوق هيروشيما كانت أقوى بألفي مرة من القوة التفجيرية للقنبلة البريطانية المسماة: اللطمة العظمى، كما أن الأميركيين تعمدوا تفجير القنبلة في الهواء على ارتفاع ألفي قدم لإعطاء العالم دليلا مقنعا على حجم القوة التدميرية للسلاح الجديد. ففي دائرة قطرها نصف كيلومتر تبخرت الأشياء بفعل الحرارة التي وصلت إلى أكثر من مليون درجة. وفي غضون دقائق معدودة كان أكثر من 22 ألفا من المدنيين من سكان ناجازاكي في عداد القتلى، ليرتفع هذا الرقم إلى 39 ألف ضحية خلال أربعة أشهر، بفعل الإشعاعات وتلوث الأجواء المحيطة بالمدينة المنكوبة، وعندما أضيفت هيروشيما إلى قائمة الموتى، وصل عدد ضحايا الفعلة الأميركية إلى 139 ألفا، كلهم من المدنيين الأبرياء. كما تعمدت الحكومة الأميركية إنكار الآثار القاتلة التي ترتبت على الإشعاعات الذرية، الأمر الذي قدرته الأبحاث اليابانية الرسمية اللاحقة بعدد لا يحصى من اليابانيين الذين عانوا ولسنوات طويلة تالية من التشوهات الخلقية وسرطان الدم وأمراض الجلد وتساقط الشعر.
يذكر أن قرار إلقاء القنبلة اتخذه الرئيس هاري ترومان سرا خلال قمة بوتسدام، التي جمعته بكل من تشرتشل وستالين في ألمانيا المهزومة. وادعى الرئيس ترومان أنه تصرف من منطلق إجبار اليابان على الاستسلام، مما ينهي الحرب بسرعة ويحقن دماء مزيد من الجنود الأميركيين، وهي حجة تفتقر إلى كثير من الإقناع. فعندما أمر ترومان بضرب اليابان بالسلاح النووي الجديد، كانت ألمانيا قد استسلمت لقوات الحلفاء في مايو 1945، أي بعد شهر من وصول ترومان للبيت الأبيض. أما اليابان بدورها، فقد أصبحت معزولة ومنهارة اقتصاديا وبحكم المهزومة عسكريا. وطبقا للخبراء العسكريين، فقد كان يكفي فرض طوق بحري على اليابان من قبل سفن الحلفاء لإجبار الإمبراطور الياباني على الاستسلام، بل حتى القبول بالشروط القاسية التي ستفرضها واشنطن، من دون الحاجة إلى إيقاع مزيد من الضحايا.
وكان سلف ترومان، أي الرئيس فرانكلين روزفلت براجماتيا متطرفا عمل على استثمار دماء الجنود الأميركيين فيما يسمى خيانة بيرل هاربر، أي الهجوم الجوي الياباني على الأسطول الأميركي المتمركز في بيرل هاربر - هاواي بتاريخ 7 ديسمبر 1941، الذي اعتبره روزفلت المبرر المطلوب لإعلان الكونجرس الحرب على اليابان وألمانيا.
وقد برهنت الوثائق السرية التي سمح الكونجرس بالكشف عنها، بما لا يدع مجالا للشك، على أن الرئيس روزفلت تعمد إثارة اليابانيين ودفعهم للدخول في مواجهة مع بلاده، من خلال اعتراض خطوط إمدادات النفط اليابانية، وأن روزفلت كان على علم تام، وقبل القصف الياباني للأسطول الأميركي في بيرل هاربر، بتفاصيل دقيقة حول تقدم السفن اليابانية باتجاه الميناء.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية استمعت لجنة مشتركة من الكونجرس للتحقيق في الهجوم على بيرل هاربر، برئاسة السيناتور ألبن باركلي عن ولاية كينتكي، إلى تقرير من مجلس التحقيق في بيرل هاربر. وجاء التقرير بمثابة إدانة صارخة لإدارة روزفلت، وللرئيس نفسه، وللجنرال ماك ارثر الذي كان يحمل لقب البطل العظيم في حرب المحيط الهادي، أدى الهجوم الياباني على بيرل هاربر إلى مقتل 2403 جنود، وإصابة 1178 آخرين، بالإضافة إلى خسارة 18 سفينة و188 طائرة كان أكثرها من القطع الحربية القديمة، حيث تم إبعاد القطع الحربية الحديثة عن ميناء بيرل هاربر بأيام، كما تم إقصاء القائد الأميركي في بيرل هاربر، والذي كان يطالب بنقل سائر قطع الأسطول من ذلك الميناء. وطبقا للتقرير، فإن الرئيس روزفلت تلقى قبل الغارة المدمرة على بيرل هاربر بأكثر من 10 أيام، تحذيرا عاجلا وشخصيا من رئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرشل، بأن هجوما يابانيا يتم الإعداد له، وبأن الهدف سيكون الوجود الأميركي في بيرل هاربر.
وبدلا من اتخاذ الإجراءات الاحتياطية اللازمة التي تتناسب والخطر المحدق بالأسطول الأميركي هناك، جاءت ردة فعل روزفلت عكسية، بتجريد الأسطول في بيرل هاربر من الدفاعات الجوية، في خطوة أريد منها التأكد من أن الهجوم الياباني سيكون ناجحا بكل المقاييس.
ويعتقد أن تخطيط النخبة السلطوية في الولايات المتحدة للهيمنة الأميركية، سبق اندلاع الحرب العالمية الثانية بعامين، أي في عام 1939، وبأن دخول أميركا الحرب لم يكن وليد مصادفة أو قرارا مفاجئا جاء كردة فعل لعمل عدواني ياباني أو ألماني، كما جاء في الكتب التاريخية للدول المنتصرة، بل إن اختيار مكان دخول الحرب العالمية الثانية وكيفيته في ديسمبر 1941 كان وليد حسابات قائمة على كيفية تحقيق الهيمنة الأميركية.
ووفق هذه الحقائق، من واجب الرئيس الأميركي باراك أوباما الاعتراف بأخطاء أسلافه بحق الأميركيين أولا، وثانيا الاعتذار من اليابانيين، لكن يبدو أنه يفتقد الجرأة اللازمة للقيام بمهمة مستحيلة، بغض النظر عن كونه بطة عرجاء، ويحزم حقائبه لمغادرة البيت الأبيض بعد شهور معدودات.