في مجلس الأمير خالد الفيصل العامر الذي يعتبر منتدى تطرح فيه من الرؤى والأفكار، ويتم فيه من المناقشات وتبادل الآراء ما يجعله بالفعل مدرسة يتعلم منها كل من يرتاد ذلك المجلس.. وفي سياق الحديث في أحد المواضيع التي تم تداولها في أحد جلسات ذلك المجلس أقسم الأمير خالد إنه تعلم من هذا المجلس ومن مجالس الرجال أكثر مما تعلمه في دراساته كلها... وقفت عند تلك العبارة طويلاً وفكرت فيها كثيراً .. لأنه من البديهي أنه إذا كانت تلك المجالس تخرج لنا شخصيات مثل شخصية الأمير خالد الفيصل التي نعرفها جميعاً وما تتميز به فلا بد من الوقوف والتأمل والبحث في المصطلح الذي طرحة الأمير خالد، مصطلح مجالس الرجال كأسلوب وطريقة تعلم.
ونطرح هنا العديد من الأسئلة التي لا بد من التأمل فيها وبحثها والتعمق فيها حتى نصل إلى بلورة هذا المصطلح وتقديمه كأسلوب وطريقة تعلم جديدة.. من تلك الأسئلة: ما هي مجالس الرجال؟ كيف يمكن أن نستفيد منها نحن الكبار؟ كيف يمكن أن نعلم أولادنا هذه الطريقة بهدف صقل شخصياتهم؟ كيف يمكننا تقديم هذه الطريقة للتعليم كأسلوب (تعلم) بديل لأسلوب التلقين؟ في ظني لو أن هذا المقترح جاء من أجنبي لحثثنا الخطى لتبنيه وأرسلنا الوفود تلو الوفود للتدريب عليه والعودة به لتطبيقه.. وفي ظني أننا وبعيداً عن المجاملات أمام طريقة بالغة الفائدة يجب أن نتبناها كطريقة جديدة للتعلم.. يدعم هذا الطرح ما أعرفه عن شاب قرأت عنه ويتمتع بفكر ثاقب وهو كندي ذهب إلى أميركا للبحث عن وظيفة ورفض طلبه من 12 جهة كان قد تقدم لها.. هذا الشاب كما يقول عن نفسه أنه حرص على ارتياد مجالس المبرزين Key persons واكتشف مكمن قوته في الكتابة.. ووجد وظيفة في جريدة (واشنطن بوست) ثم انتقل منها إلى مجلة (نيويوركر) وأصبح من أشهر كتابها.. ليست هنا نهاية القصة والشاهد.. هذا الشاب يقول إنه استمر في الحرص على مجالس المبرزين التي سماها الأمير خالد الفيصل: (مجالس الرجال).. ما هي النتيجة التي تتوقعونها؟ من هو هذا الشاب وماذا حدث له نتيجة تلك المجالس؟ هذا الشاب هو مالكوم قلادويل، وقام بتأليف ستة كتب جميعها تدرس في كبريات الجامعات الأميركية والأوروبية. ليس هنا نهاية القصة والشاهد.. يقول قلادويل، إنه أخذ جميع أفكار كتبه من مجالس المبرزين.. نعم جميع أفكار كتبه التي تدرس في كبريات الجامعات في الغرب.. ولعل بعضكم قد قرأ تلك الكتب أو بعضها ولاحظ تميزها وجدتها.. جدة الطرح والأفكار التي تحملها.. ومن تلك الكتب على سبيل المثال OUTLIERS و TIPPING POINT و BLINK .. تصوروا نوع ومستوى الأفكار التي تضمنتها تلك الكتب والتي جعلتها مؤهلة لأن تدرس في كبريات الجامعات في الغرب، كل ذلك نتاج مجالس الرجال أو مجالس المبرزين..
أتيت بهذا المثال دعماً لفكرة أهمية مجالس الرجال التي أخرجت شخصيات مرموقة وصقلت عقولهم وجعلتهم ناجحين في حياتهم وفي إنجازاتهم.. ومما يميز مجالس الرجال أنها أيضاً تكرس مفهوم التعلم حيث تمنح المشارك في تلك المجالس مع مرور الوقت الأدوات التي يكتسب بها ما يصقل شخصيته وفكره.. إننا هنا نتحدث عن شواهد لا عن تنظير، وبعد ذلك يتطلب الأمر التعمق في الأسئلة التي طرحتها لكي يمكننا الوصول إلى آليات حتى يمكننا تعريف هذه المجالس وكيفية استخدامها كطرق للتعلم ثم تقديم تلك الآليات لمؤسسات التعليم ولكافة المجتمع، ممثلا في الآباء والأمهات، ليس فقط لتشجيع أولادهم على ارتياد تلك المجالس، بل للآباء والأمهات لاستثمارها بأنفسهم..
وخلاصة القول فكرة مجالس الرجال التي طرحها الأمير خالد الفيصل ثبت أنها أسلوب تعلم حقيقي يكسب فكراً متّقداً وشخصية قيادية.. هذا المصطلح يتطلب العمل عليه بشكل علمي للوصول إلى آليات يمكننا بواسطتها أن نقدم تعريفاً علمياً لهذه المجالس.. ثم كيفية الاستفادة منها على مستوى الآباء والأمهات.. وآليات أخرى لمؤسسات التعليم لاستخدام تلك المجالس كطرق وأساليب تعلم.. الابتكارات وأساليب التعليم ليست حكراً على الغرب.. والاكتشافات تبدأ بفكرة متميزة تنطوي على شواهد على أهميتها ثم يتناول المختصون تلك الفكرة بالدراسة والبحث لصقلها وتطويرها ثم دفعها للميدان لاستخدامها.. فكرة مجالس الرجال تنطوي على كل ذلك وأرى فيها بوضوح احتمالية كبيرة لتكون طريقة وأسلوب تعلم يقدم لنا شخصيات بارزة ومفكرين كما أثبت في الطرح أعلاه.
سأعمل جاهداً إن شاء الله، على بحث هذا المفهوم مستعيناً بالله ثم بمن يؤمن بهذا المفهوم ويرى أنه يستطيع المساهمة فيه حتى يرى النور بإذن الله، أسلوباً علمياً نستخدمه في مؤسساتنا وعلى المستوى الشخصي بل ونعلمه أبناءنا وبناتنا.