ذات يوم جاءني عمر شاكيا من زميلة له في المدرسة تهجمت على زميل لهم بقولها: يا شيعي، سألت عمر: هل شيعي تعد عنده إهانة؟ ليرد بمثال: هي ليست إهانة، لكن لو كنت في مدرسة إنجليزية وناداني أحد يا سعودي فسأعدها تمييزا ضديا. يوم قال عمر ذلك شعرت بالفخر لأن عمر في سن التاسعة ويدرك أن تمييز شخص بجنسه خاصة إذا انفرد به عن الجماعة يعد إهانة مؤلمة وتمييزا عنصريا.
في الحقيقة الفضل يعود في ذلك - أعني شعور عمر الذي أعده إنسانيا وراقيا - إلى معلميه ربما أكثر مني لذا سأظل مدينة لهم دائما.
أيضا بيئة المدرسة تقدم للطلاب فرصة كبيرة للتبادل الثقافي واللغوي والتصالح مع الاختلاف.
ما دعاني لذكر هذه الحادثة هو أنه خلال يومين اثنين قام اثنان ممن يعدان أعمدة الثقافة بالمملكة بالنسبة للكثيرين، وهما تركي الحمد وفهد العرابي الحارثي، بنفس فعل تلك الطفلة العنصري، فالدكتور فهد غرد غاضبا من تولي باكستاني منصب عمدة لندن، وذكر لفظ باكستاني، وتركي الحمد غرد مستهجنا اعتلاء سوداني المنبر وغرد بكلمة سوداني، لقد كان في اللغة ما يعفيهما من ذلك لو أنهما أرادا، لكن تويتر لا يستر أحدا خاصة الغاضبين، في الواقع الاثنان بررا تغريدتيهما ونفيا أن تكون لهما علاقة بالعنصرية.
لا شك أن ذلك يوضح مشكلة أخرى يعاني منها هذان المثقفان وهي عدم قدرتهما على رؤية خطئهما الذي رآه الجميع، وطفقا يبرران سلوكا خاطئا، وهذا ولا شك سيطيل أمر إصلاح الإنسانية في داخلهما والتي تظهر لنا شوائبها على لسانيهما.
زميلة عمر كانت جديدة على بيئة المدرسة وقادمة من خلفية غارقة في الطائفية، لكنها واجهت جيشا من الأطفال قرروا أن يعلموها كيف تكون إنسانا لا يؤذي الآخر، فقاطعوها حتى اعتذرت وتوقفت عن مناداة زميلهم بغير اسمه.
لا أعرف إن كنا في عالم الكبار سنفعل ونقاطع كل من لا يحترم الآخر، ونجبر الناس أن يصبحوا بشرا لا شرا، ونفعل مثل زملاء عمر، لا نقبل التبرير بديلا عن الاعتذار.