النخب العربية الثقافية والإعلامية والاقتصادية تعوّدت على مدى عقود طويلة على التفكير بالهزائم والسلبيات، ولم تتعوّد على التفكير في النجاحات والإنجازات العربية

يصادف يوم 25 مايو القادم الذكرى الـ35 لتأسيس مجلس التعاون الخليجي في العام 1981. والذي جعلني أنتبه لهذه المناسبة هو رغبة الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي أن يكون موضوع المؤتمر القادم حول التكامل العربي عن تجربة مجلس التعاون الخليجي في التكامل العربي وتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في التكامل الوطني، على أن يعقد هذا المؤتمر في إمارة أبو ظبي وبرعاية رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد. وتأتي مبادرة الأمير خالد الفيصل بعد المؤتمر المميّز عن التكامل العربي بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جامعة الدول العربية وبمقرها في القاهرة برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
لا بدّ من الاعتراف بأهميّة اختيار هاتين التجربتين الناجحتين لكلّ من مجلس التعاون ودولة الإمارات، ليكونا محلّ بحث ومراجعة وتقييم، مما يعطي العقل العربي المأزوم مساحة صلبة يستطيع الوقوف عليها للتأمل والاستشراف واستعادة الثقة بالذات والتخلي عن الوعي المهزوم المكبّل بفشل التجارب الوحدوية الوطنية والعربية العديدة والتي تسببت بانهزام الإرادات التي استسلمت للفشل واليأس، مما أحدث ذلك الانهيار الكبير الذي نشهده هنا وهناك.
التفكير في الذكرى الـ70 لجامعة الدول العربية كان مغامرة كبيرة، لأنّ واقع الحال في الجامعة لا يدعو إلى الاحتفال. وربما كان البعض قاسياً في حكمه عليها معتبراً أنها أصبحت في خبر كان، إلا أنّ الرغبة التكاملية العميقة في وجدان النسبة الأعظم من المجتمعات العربية هي التي حاصرت النخبة داخل الجامعة رغم انهياراتها وتداعياتها الكثيرة. وكأن الجميع كانوا يبحثون عن نقطة يتوقّف عندها الانهيار، فجاء مؤتمر مؤسسة الفكر العربي بصيغة السؤال بـكيف، مما أخرج الجميع من الخطابة والمراجعة والاتهام والادعاء، إلى البحث عن البدايات والأولويات الضرورية بدل البحث عن النهايات الحزينة.
لا بدّ من التوقّف عند مبادرة الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسّسة الفكر العربي، بعقد مؤتمر خاص بالذكرى الـ35 لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، باعتبارها تجربة تكاملية عربية ناجحة، وتشكّل فرصة نادرة في هذه الظروف العربية الصعبة والقاتمة. وربما بتقديمنا لهذه التجربة المميزة والناجحة نعيد بعث الأمل في النفوس المحبطة والمدمرة والمشرّدة والفاقدة للثقة بنفسها وبهويتها وبدولها وأمّتها.
لا بدّ من تحضيرات تليق بدول مجلس التعاون الخليجي، قادة وحكومات وشعوبا، وبعملهم وعلمهم ونجاحهم وبدورهم في العمل على إعادة استقرار دول أشقائهم العرب والإبقاء على جامعتهم، وهذا يستدعي الإحاطة بكافة نواحي هذه التجارب العربية الناجحة، إن في دولة الإمارات العربية المتحدة كتجربة تكاملية وطنية، أو مجلس التعاون الخليجي كتجربة عربية. والحقيقة هي أنّنا لا نمتلك عملا توثيقيا علميا ومهنيا واجتماعيا وإبداعيا يصوّر التجربة التكاملية العربية في المجتمعات الخليجية الخليجية والخليجية العربية على مدى عقود طويلة كتجربة تكاملية مجتمعية غير حكومية، إذ اختلط فيها عشرات الملايين من العرب أصحاب اختصاصات وأصحاب أعمال وأيد عاملة ومعهم أسرهم، ومن كل الدول العربية تقريباً، عملوا وعاشوا بدول الخليج وشاركوا في هذه التجربة التكاملية المميّزة، وقد كانوا شديدي الصِّلة بأوطانهم. والعمل في دول الخليج لا يعتبره العرب هجرة لأنّهم يشعرون أنّهم في وطنهم الكبير وأنّهم عائدون إلى وطنهم الصغير.
لا نستطيع أن نتجاهل الآثار الإيجابية لاستيعاب مجلس التعاون الخليجي للطاقات العلمية والفكرية والإبداعية والإعلامية العربية في مؤسسات خليجية عربية استطاعت أن تمنع هجرة هذه الطاقات إلى الدول الغربية والانخراط في مجتمعاتها، كما حصل مع العقول التي هاجرت على مدى قرون إلى الغرب وساهمت في نهضته وتقدّمه، هذا بصرف النظر عن الأيدي العاملة التي تخلصت من أوضاعها الصعبة ونهضت بأسرها ودولها.
ولا بدّ أيضاً من دراسة آثار صناديق التنمية الخليجية في عمليات النهوض في العديد من الدول العربية، وفي كل المجالات التعليمية والصحية والبنى التحتية للدول العربية الفقيرة. لا بدّ كذلك من دراسة آثار القطاع الخاص الخليجي واستثماراته في الأسواق العربية وفي أكثر من مجال صناعي وتجاري وسياحي، وتأمين ملايين فرص العمل في المجتمعات العربية.
إن مبادرة الأمير خالد الفيصل وضعت المفكّر العربي ومراكز الدراسات والصناديق الإنمائية والقطاع الخاص والإعلام أمام تحدّ صعب، لأن النخب الفكرية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والإنمائية تعوّدت على مدى عقود طويلة على التفكير بالهزائم والسلبيات، ولم تتعوّد على التفكير في النجاحات والإنجازات العربية، لأنّ ذلك يستدعي تغييرا بالثقافة التي تتكون بحقيقتها من مجموعة البديهيات لدى الشعوب. ومهمة العقل في تجديد الثقافة هي في تحويل كل نجاح وتطّور مستجد إلى بديهي، وذلك بعد عقود طويلة حوّلنا فيها هزائمنا المستجدة إلى بديهيات لدى شعوبنا حتى أصبح العجز والهزيمة من مكوّنات الثقافة العربية السائدة.
لقد آن الأوان لكي تبادر دولة الإمارات العربية ومجلس التعاون الخليجي لملاقاة الأمير خالد الفيصل في مبادرته بإظهار التطور العلمي والاجتماعي والسياسي والإبداعي والاقتصادي والإعلامي، لكي نحول هذا النجاح التكاملي الوطني والعربي المتمثل في تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة على المستوى الوطني ومجلس التعاون على المستوى العربي لتقديمها كمستجدات ونجاحات تكاملية وطنية وعربية، لتصبح بديهيات في ثقافتنا التكاملية العربية. إنّ يوم 25 مايو 2016 هو يوم مجلس التعاون الخليجي وهو بمثابة عودة الأمل للشعوب العربية ونصف الكوب الممتلئ.