حافظ أصدقاء الشعب السوري على مواقفهم بثبات منقطع النظير طيلة 5 سنوات من الحرب التي أودت بملايين السوريين بين قتيل وجريح ومهجر.
والثبات الذي أتحدث عنه شمل كل شيء، شمل الكلام والأفعال، التصريحات والمواقف، فلم يتوقف أصدقاء الشعب السوري يوما عن إعلان تضامنهم مع الشعب السوري، وإدانتهم وحشية النظام، وتعاطفهم مع آلام السوريين، ومطالبتهم برفع الحصار عن الجائعين، وتوقف القصف على المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين، وكذلك أكدوا مرارا وتكرارا، وبلا انقطاع طيلة 5 سنوات على أهمية الوصول إلى حل سياسي يفضي إلى مرحلة انتقالية لا مكان فيها للأسد، وتمثل كافة أطياف الشعب السوري، وتعبر عن آلامهم وتطلعاتهم، وتحافظ على وطنهم موحدا.
لقد ثبت أصدقاء الشعب السوري (معظم المجتمع الدولي) على هذه المواقف التي أعلنوها منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة السورية، لكن هؤلاء الأصدقاء لم يغيروا الكلام الذي قالوه منذ 5 سنوات، ولكنهم امتنعوا كذلك عن القيام بالأفعال التي تتطابق مع كلامهم المتكرر.
طيلة 5 سنوات ونيف ارتكب النظام السوري وميليشياته وحلفاؤه مئات المجازر، حظيت كل واحدة منها بعشرات الإدانات، واستخدمت في تلك الإدانات عبارات يخيل لمن يسمعها أن الجحافل ستهب في الصباح الباكر لترفع الظلم عن المظلومين وتعيد الحق إلى أصحابه، ولآلاف المرات كان كلام الليل يمحوه النهار، ليستيقظ السوريون في اليوم التالي على مجازر جديدة ودمار جديد، رغم أن معظم الإدانات كانت تحمل عبارات رنانة ومدوية من قبيل جرائم ضد الإنسانية وتجاوز كل حد ويجب الوقف الفوري للمجازر وعلى العالم التحرك سريعا والملفت في هذه العبارة الأخيرة أن العالم برمته يقولها، لكن لا أحد يتحرك فعليا.
في لقاء جرى مؤخرا وجمع وفدا يمثل المعارضة السورية مع ممثلين عن الحكومة الأميركية، وجه السوريون اتهامات إلى الإدارة الأميركية بالمسؤولية عن الدماء السورية من خلال تقاعسهم في مساعدته ونصرته كما ادعت في الأسابيع الأولى للثورة السورية، وروى من حضروا الاجتماع أن المسؤول الأميركي قال لهم: لسنا من قام بالثورة كي نكون مسؤولين عنها وعن نصرتها، وهذا بالضبط هو جوهر الموقف الأميركي، وبالتالي موقف العالم الغربي برمته، أن اذهبوا واقلعوا شوككم بيديكم، أنتم من طالبتم بالحرية لا نحن طالبنا بها لكم.
وقد تناسى هذا المسؤول الأميركي الخطوط الحمراء التي وضعتها إدارته للنظام السوري وتجاوزها مرات ومرات، ربما كان أشهرها هو استخدام الأسلحة الكيماوية، ولكنه ليس أهمها، وتناسى أيضا أن الشعب السوري صدق وعود وتعاطف العالم، فخرج بالصدور العارية ليواجه الرصاص والقذائف، وهو يمني النفس بأن العالم سيهب لنجدته ونجدة أهله، وأنه إن سقط شهيدا فالعالم سيساعد إخوته على إكمال الطريق حتى الوصول للحرية المنشودة.
نذكر جميعا الاجتماعات الأولى لأصدقاء سورية، والحالة التي خلقها اجتماع 120 بلدا من كل قارات العالم، كانت كلها مجتمعة على حق السوريين، وكلها متعاطفة معهم ومع تضحياتهم، وكيف استطاع هذا التعاطف أن يسوق السوريين إلى الموت أكثر، فالأمل الذي بثته تصريحات الدول وبياناتها كان كافيا ليستعذب الشبان السوريون الموت، وهم يكادون يلمسون مستقبلهم المنشود لمس اليد.
صحيح أن زخم هذه الاجتماعات قد ضعف، وعدد الدول المشاركة فيها قد تناقص، ولكن البقية الباقية من الدول التي حافظت على مواقفها كان كافيا ليبث الحماس في نفوس الشباب السوريين، وبالنتيجة فلم تفعل هذه التصريحات سوى بث الأمل.
صحيح أن بعض الدول قد مدت الثوار السوريين بالمال والسلاح، لكنهم في النهاية كانوا يواجهون آلة قتل النظام منفردين، وأن ما وصلهم من مال وعتاد كان يمثل الحد الأدنى المطلوب لتحقيق تقدم حقيقي يغير موازين القوى على الأرض.
ومع دخول الروس بشكل مباشر في الحرب، بدا العالم وكأنه استسلم لهذا القدر، فصار الأميركيون والفرنسيون والألمان والإنجليز يطلقون التصريحات المتراخية، واستبدلوا عباراتهم الشديدة الحاسمة، بعبارات تغازل روسيا، وتشدد على أن الحل في سورية ووقف سقوط الأبرياء يتطلب جهودا حثيثة من القيادة الروسية للضغط على حليفها الأسد لوقف المجازر بحق المدنيين، ثم تطور الموقف الغربي حتى صار الطلب من روسيا أن تضغط على حليفها التخفيف من المجازر، وقريبا ربما سيكون الطلب هو إعطاء النظام ضحاياه عطلة ليومين في الأسبوع، وأن يقتصر ارتكاب المجازر على أيام الدوام الرسمي.