في عام 2007، واستجابة للاحتياج الواضح لأفراد الجيش الأميركي إلى فهم أعمق للخلفية الثقافية والعرقية لأفغانستان والعراق، بدأ مشروع نظام التضاريس البشرية الذي ربط بين الأكاديميين المدنيين، المتخصصين في علوم مثل الإنثروبولوجيا وغيرها، وبين أفراد الجيش الأميركي. وركَّز المشروع على تجميع بيانات الخارطة البشرية للسكان المحليين، والقبائل، والمشاكل التي تواجههم، ثم تحليلها والخروج بنصائح استشارية للجيش الأميركي.
لكن المشروع قابلته بعض الصعوبات أبرزها رفض المجتمعات الأكاديمية نفسها التعاون مع الجيش الأميركي، فنظرة الأكاديميين بشكل عام للحلول العسكرية، والقِيم التي يحملونها، تختلف بشكل كبير عن تلك الموجودة إلى جانب العسكريين، حتى إن الأمر وصل بالفرع التنفيذي لاتحاد علماء الإنثروبولوجيا الأميركي، بالقول إن نظام التضاريس البشرية هو تطبيق غير مقبول للخبرات الإنثروبولوجية.
لم يُعرقل المشروع من قِبل الأكاديميين فقط، لكن طريقة تعامل مؤسسة الجيش الأميركي مع الحروب في العراق وأفغانستان، كان لها دورها في ذلك أيضاً. فرغم سعي الجيش الأميركي لخوض الحرب إلى جانب الشعوب، فإنه يُبقي السكان المحليين على بُعد من قواته، بدعوى تقليل الخسائر. لكن الفشل في التنسيق مع السكان المحليين يصعِّب كثيراً من فهم ديناميكيات الصراع.
ولضرورات مرحلية هناك عدّة نصائح للجيش الأميركي، فالوضع الراهن يُشير إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في محاربة الإرهاب بالشرق الأوسط في المستقبل القريب، وبالتالي فإن استيعاب الملامح الثقافية والمجتمعية لإنسان الشرق الأوسط يُعد أمراً لا مفر منه لتمكين الولايات المتحدة من خلق تحالفات جديدة:
أولاً، ينبغي تعيين المزيد من المهاجرين والمتحدثين باللغات الأجنبية. قد يكون الأمر صعباً على الرغم من قدرة الولايات المتحدة على استقبال المهاجرين ودمجهم في نسيجها الوطني، فأغلب هؤلاء اللاجئين جاؤوا إما هرباً من بطش قوات بلادهم المسلحة، ولا نية لهم للالتحاق بقوات مسلحة أخرى، أو جاؤوا من بلاد تنظر باحتقار للمؤسسات العسكرية.
ثانياً، يجب أن تشحذ الولايات المتحدة خبراتها الثقافية والمجتمعية بزيادة عدد الضباط المتخصصين في العلوم الإنسانية والمجتمعية، بدلاً من التركيز الحالي على تفضيل أصحاب التخصصات التقنية والهندسية.
ثالثاً، توسيع دائرة الدارسين للغات الأجنبية من خلال معاهد القوات المسلحة المتميزة، لتشمل ضباط الأكاديميات البحرية، وضباط الاحتياط، وكذلك توفير مزيد من الفرص لأعضاء الهيئة العسكرية للسفر والعمل بالخارج.
وأخيراً، ينبغي التنبيه من صعوبة سد الفراغات الواسعة بين العسكريين والأكاديميين في وقت قليل، لكن الولايات المتحدة لديها فرصة لحشد جهودها وتحسين خبرتها المجتمعية والثقافية، قبل أن ينشب الصراع القادم. وسنعرف حينها هل استغلت الولايات المتحدة تلك الفرصة أم لا.