من لا يعرف خوزيه ساراماغو؟ بطل نوبل عام 1998 وصاحب البراعة الكبرى، رواية العمى 1995 والتي صارت فيما بعد فيلماً بديعاً كذلك. هذا البرتغالي الجليل عاش ثمانية وثمانين عاماً (1922 – 2010) ملأها بالاحتجاج والكتابة والجمال، وقبل عامين من وفاته سجّل يومياته، وما طرأ على باله من الذكريات القديمة، وبعض مواقفه التي أعلنها صراحة، فعل ذلك طيلة سنة كاملة (ما بين 15 سبتمبر 2008 إلى 31 أغسطس 2009) لتخرج في كتابٍ أسماه المفكرة. في البداية تحدث عن المكان، معناه وعمقه، عن لشبونة التي كان اسمها أوليسيبونا عندما حكمها المغاربة، ثم راح يطلق مقته على الكنيسة وعلى الساسة، ساخراً من اعتذار الكنيسة الإنجليكانية لعالم أصل الأنواع، تشارلز داروين، في الذكرى المئوية الثانية لولادته، وتمنى عليها بالمرة أن تطلب غفران العالم جاليليو جاليلي، والشاب جيوردانو برونو، الذي عذبته الكنيسة ثم دفعت به إلى المحرقة. بالنسبة لداروين فقد تخيل ساراماغو: فحتى لو كان داروين لا زال على قيد الحياة، ويميل إلى أن يكون متسامحاً، وهو يقول أسامحكم، فلن يكون بإمكان تلك الكلمات الكريمة أن تمحو إهانة واحدة، وتعليقاً واحداً من التعليقات المحقرة الكثيرة التي رميت عليه، إن المؤسسة الوحيدة التي ستستفيد من هذا الاعتذار هي الكنيسة. انتقل بعد ذلك إلى الساسة، بدأ بالرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وانهال عليه بكل الأوصاف الآتية من الغباء والحمق والكذب قدّم نفسه إلى البشرية بوضعية راعي البقر، الكاوبوي، المثير للسخرية، الذي ورث العالم وظنّه بشكلٍ خاطئ قطيعاً من الماشية، لا نعرف فيم يفكر حقاً، وحتى إننا لا نعرف إن كان يفكر، بالمعنى النبيل للكلمة. تحدث أيضاً عن محمود درويش وبيسواوكافكا ورفات لوركا، وعن الحياة وسرها، عن المطالعة والشغف، عن المجتمع، والسينما، والألعاب، عن أوهام الفخامة، والتباهي، وتحدث عن الكتاب الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية لإدواردو جاليانو، ولماذا حمله تشافيز وهو يقابل أوباما: فتشافيز سيكون قد فكر في نفسه: هذا الرجل، أوباما، لا يعرف شيئاً عنا، فهو كان بالكاد قد ولد عندما ظهر هذا الكتاب، لكن جاليانو لا زال بإمكانه أن يعلمه شيئاً.
الكتاب مليء بأشياء كثيرة، يصعب حصرها أو استعراضها جميعاً، لكنه من تلك الأعمال التي تحمل الخُلاصات العظيمة، تلك التي يلزمك أن تقرأها بتمهل، وفي يدك قلم وكومة أوراق، كي تقرأ وتسجل ما فاتك.. وتسجل كثيراً ما عليك أن تتعلمه.