??تسابق أبناء الصحراء قبل سكان مدينة الضباب بالاحتفال بانتخاب مسلم من أصل باكستاني بمنصب عمدة عاصمة الإمبراطورية التي حكمت في الماضي نصف العالم لندن، فما تبقى لهؤلاء المحتفلين إلا أن يقوموا بتوزيع الزهور والحلوى في الطرقات والأسواق.
ليست مشكلتي هنا الاحتفال بحد ذاته، فنحن شعوب ابتلينا بالأزمات النفسية الأمر الذي يجعلنا نفرح لأي شيء يحدث في الخارج البعيد بعد أن فقدنا الأمل في أي ملامح للفرح في المحيط القريب، ولكن مشكلتي الأساسية هي في هذا المستوى من التناقض الذي وصلنا إليه بحيث تمكنا من التغلب على أنفسنا في قدرتنا على أن نقول شيئا ونتفاخر به وفي الوقت ذاته نفعل وندافع باستماتة ضده عندما يكون الأمر يتعلق بنا ويؤدي لغضب أو كلام الناس عنا وعن خياراتنا.
المزايدة في عبارات الكفاءة والديمقراطية والأمل الذي زرعه عمدة لندن الجديد (صادق خان) في نفوس الطامحين للعدالة يعد غريبا في مجتمعات لم تستطع حتى الآن قبول فكرة حق الاختلاف بين الناس، وأنه ليس هناك مجتمع أفضل من آخر إلا بقدر خدمته للحق والعدل، وأن العرق واللون والغنى ليست معايير لتفضيل أحد على الآخر.
يتباهى هؤلاء بصادق العمدة الذي حقق انتصاره في أرض مستعمره السابق في وقت ما زال هذا المتباهي ينادي ابن عم العمدة بـ(صديق) أو (رفيق) غير مكترث في أن يسأله عن اسمه الحقيقي ليناديه به، فكلهم في رأيه هنا لخدمتنا وشرف أن أصفه بصديق!
بعض هؤلاء هم من يخدرون حالة الفوقية والعنصرية التي تتنامى في مجتمعنا من خلال إفراغ المعضلة من حقيقتها الأولى، وهي أننا مجتمع يرفض الآخر مهما زايدنا في الادعاء بعكس ذلك، فبعد أن دار الحديث لسويعات تباهيا بـ(صادق) تحول الحوار إلى هل هو سني أم شيعي! في دليل ثابت على أن الإقصائية في دمنا أصبحت متجذرة في الحمض النووي، فكيف يتحول التباهي في لحظة إلى حوار طائفي ما لم تكن هناك مشكلة حقيقية في جذور التفكير الجمعي.
أترككم مع هذه الأسئلة: كم من حملة نظمت لطرد الأجنبي بحجة بطالة المواطن؟ كم من دعوة ظهرت للحذر من خزعبلات الطوائف؟ وكم من فرد تعوذ من مجرد فكرة أن تتزوج ابنته أجنبيا وإن كان مسلما؟ كم من واحد منا يخاطب عامل القهوة في مكتبه لا باسمه الحقيقي، بل باسم مستعار أو بـصديق أو رفيق؟