واشنطن: عصام عبدالله

لا توجد مدينة في العراق أكثر رمزية للعواقب الجنائية للغزو الأميركي مثل الفلوجة، بهذه الكلمات يوضح المحلل السياسي الأميركي جيمس كوجان الحال الذي وصلت إليه الفلوجة من الغزو عام 2003، وما تلاه من حرب طائفية تشنها ميليشيات موالية لإيران والحكومات العميلة في بغداد، حيث تحولت إلى مجرد أطلال خربة ومدينة للأشباح والأموات.
وذكر جيمس كوجان، في مقاله المعنون الفلوجة: رمز جرائم الحرب الأميركية والمنشور بموقع الاشتراكي العالمي الخميس الماضي، أنه قبل الغزو كانت الفلوجة، والبالغ عدد سكانها أكثر من 300 ألف نسمة من الأغلبية السنية، مدينة مزدهرة على نهر الفرات، وهي واحدة من أقدم المجتمعات الحضارية في مسيرة الإنسانية، مشيرا إلى أنه بعد 13 عاما من الغزو الأميركي تجسد الفلوجة مأساة الشعب العراقي.
وأضاف أن الهجوم الحالي على مدينة الفلوجة ليس سوى الفصل الأخير في الكارثة التي نتجت عن الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ودمرت التعايش بين طوائف الشعب العراقي ومنطقة الشرق الأوسط ككل، مبينا أنه بعد أسابيع من الغارات الجوية التي تشنها قاذفات القنابل البريطانية والأسترالية والأميركية، بالتعاون مع قوات الحكومة العراقية والميليشيات الإيرانية أصبحت الفلوجة على وشك شن هجوم نهائي للاستيلاء عليها بعد تحريرها من تنظيم داعش.

السياسات الطائفية
حسب كوجان فإن المجتمع الدولي تجاهل قبل عامين النداءات التي أطلقها أهل الفلوجة من السنة والتي تندد بالسياسات التمييزية والطائفية ضدهم من قبل الحكومة الشيعية المتطرفة، بل إن استعراض تاريخ المآسي الإنسانية في الفلوجة منذ غزو العراق عام 2003 وحتى انسحاب القوات الأميركية عام 2011 يكشف عن الاستمرار المتعمد لإشعال نيران الصراع الطائفي من قبل الاحتلال الأميركي بغرض تقسيم الشعب العراقي الواحد وترسيخ قبضة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط الغني بالنفط.
بعد الغزو غير الشرعي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين والبعث، كانت الفلوجة مسرحا لأولى الجرائم الجنائية التي ارتكبتها القوات الأميركية شعبة 82 المحمولة جوا وتوجيه النيران ضد المدنيين العراقيين، وأسفر ذلك عن قتل 17 وجرح أكثر من 70.
خلال الأشهر التالية، ظهرت الفلوجة باعتبارها مركزا للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي. وفي أوائل عام 2004 سيطرت على المدينة وبشكل فعال جماعات مسلحة من أعضاء سابقين في الجيش العراقي والعشائر السنية المحلية، وانضم إليهم بعض المتطرفين على أساس ديني، كذلك تأسست مجموعات مسلحة صغيرة أطلقت على نفسها اسم تنظيم القاعدة في العراق. وقد أثار مقتل أربعة من مرتزقة بلاك ووتر في الفلوجة عام 2004 ردود أفعال أميركية عكسية ضد سكان الفلوجة وازداد التمرد المسلح ضد القوات الأميركية في المدن ذات الأغلبية السنية مثل الرمادي وتكريت والموصل.

فرق الموت
كانت السمة الغالبة على المقاومة المناهضة للاحتلال في العراق في عام 2004 أنها وحدت العراقيين من جميع الخلفيات الذين عارضوا الاحتلال الأميركي والمتعاونين المحليين. أما السمة المقابلة للاحتلال الأميركي في عام 2004 فهي البدء في نشر فرق الموت الشيعية التي دربتها الولايات المتحدة، مثل لواء الذئب، ضد السكان السنة وقتل الآلاف من الناس. في الوقت نفسه تصاعدت عمليات تنظيم القاعدة في العراق والتفجيرات الإرهابية ضد المدنيين الشيعة، وهكذا نجح الاحتلال الأميركي في دق إسفين بين الطائفتين. وبحلول عام 2006 تمكنت سياسة الولايات المتحدة من إثارة حرب أهلية طائفية شاملة أجبرت مئات الآلاف من الأشخاص على الفرار إلى المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الطوائف الدينية، واستمر هذا الوضع حتى الوقت الحالي.

داعش المستفيد
لم يكن انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011 إلا لشن الحرب في ليبيا وتغيير النظام هناك ثم التحول إلى سورية واستخدام نفس أساليب دق الأسافين بين الطوائف لتمتد الحروب الأهلية من العراق إلى سورية، وأصبح تسليح كل طائفة ضد الطائفة الأخرى هو عمل وكالة الاستخبارات الأميركية بالتعاون مع جماعات ودول في المنطقة، وداعش أحد التنظيمات المسلحة التي استفادت من تدفق الأسلحة من سورية وتركيا، وبرز كقوة مهيمنة في الحرب الأهلية في المنطقة منذ عام 2013، حيث أعاد تسمية نفسه من تنظيم القاعدة في العراق إلى داعش عام 2014 وحتى اليوم.