عندما يأتي المولود إلى الحياة نجد أنه بدون أسنان، خفيف الشعر، جلده مليء بالتجاعيد، لا يستطيع أن يمشي ولا يأكل إلا بمساعدة والديه، حتى حواسه الخمس بعضها لا تكتمل فور ولادته، وغالبا تكون انتقائية وتحتاج لمزيد من الوقت والتجارب حتى تعمل بشكل كامل وسليم. هذا من ناحية فيسيولوجية، ومن الناحية السيكولوجية نجد أن الطفل لا يكترث بما يقول ولا يهتم بتراتبات تصرفاته وعباراته على محيطه، فهو يتصرف لا إراديا بفطرته ولا يخفي مشاعره. ولذلك نجد أن الأطفال غالبا أكثر صراحة وأقل حياء من الكبار، وهذا ما يوقع كثيرا من الآباء في حرج كبير مع الناس. يكبر هذا الطفل ومع التجارب والسنين تكتمل حواسه وتتهذب تصرفاته وتتغير علاقته مع الآخرين حتى يصبح إنسانا راشدا.
ولكن دائرة الحياة تعيده مرة أخرى إلى نقطة البداية، فكلما تقدمنا بالعمر اقتربنا لهذه البداية. ولذلك نجد الإنسان الطاعن بالعمر يبدأ بفقدان حواسه تدريجيا، فيخف بصره ويثقل سمعه وتتساقط أسنانه ويخسر شعره وتكثر تجاعيد وجهه. ثم يصل إلى مرحلة لا يستطيع المشي ولا يستطيع الأكل إلا بمساعدة الآخرين ويعود كما بدأ طفلا صغيرا. وأيضا تصرفاته وسلوكه مع محيطه تكون مختلفة، يكون أكثر صراحة وأقل حياء ولا يهتم كثيرا بشعور الآخرين. وفي المقابل نجد أننا نتفهم ذلك ولا ننزعج ولا نتأثر، بالضبط كما نتفهم صراحة الأطفال مهما كانت عباراتهم وتصرفاتهم غير مقبولة.
نحن نبدأ حياتنا كالأطفال وننتهي أيضا كالأطفال، في هيئتنا وفي تصرفاتنا وحتى في حواسنا! فهل هناك رسالة خفية ترسلها لنا الحياة لم نفهما بعد؟
لماذا ننتهي كما بدأنا؟ وهل البداية مثل النهاية؟ وما بينهما مجرد تفاصيل!