موقع وزارة المياه أوضح أخيرا أن 'استهلاك الفرد' للمياه ليس استهلاكا للمواطن، بل استهلاك للقطاعات السكنية والتجارية والحكومية والخدمات العامة مقسوما على عدد السكان

 أوضحت المعلومات المنشورة على موقع وزارة المياه والكهرباء أن المياه المستهلكة في المملكة تصل إلى 23 مليار متر مكعب سنويا مقسمة إلى 3 أغراض، (الأول) زراعية 19.6 مليار متر مكعب وهذا يمثل 85%، (الثاني) صناعية 930 مليون متر مكعب أي 4%، (الثالث) بلدية 2.9 مليار متر مكعب وتمثل 11% من المياه المستهلكة في المملكة.
المقصود بالبلدية هي المياه الداخلة على البلدة وتشمل كل ما هو داخل المدينة، القطاعات السكنية والتجارية والحكومية والخدمات العامة كالحدائق والمساجد وكل ما هو داخل البلدة أو المدينة، وللمعلومية هذا تعريف دولي وليس خاصا بالمملكة، ولا يعني استهلاك الفرد مع أنه يوحي بذلك.
عند تقسيم الاستهلاك البلدي (2.9 مليار متر مكعب) على عدد السكان وتقسيمه على عدد أيام السنة يكون 250 لترا، الطريقة التي تحدثت بها الوزارة والوزير توجه الاتهام المباشر للمواطن، ولا أعلم لماذا تروج له الوزارة وشركاتها وشركاؤها على أنه للمواطن في القطاع السكني وتطالبه بالترشيد، وقد بني على هذا الترويج الإعلامي قرارات كثيرة منها رفع أسعار المياه.
هذا كان اعترافا من الوزارة على موقعها، ولكنها لم توضح هذا للرأي العام، بل نحن من وضحه، ولعله يصل إلى المجالس العليا. هذا ليس الخطأ الوحيد في المصطلحات والأرقام، وما خفي أعظم.
استهلاك المملكة من المياه 23 مليار متر مكعب سنويا حسب التقارير الرسمية، وهذا يعني أن الاستهلاك اليومي 63 مليون متر مكعب. ماذا يعني هذا الرقم للقارئ؟
هل استهلاك المملكة من المياه يوميا بطول أنبوب (قطره 112 سم) يلف حول الكرة الأرضية مرة ونصف المرة؟ هل استهلاك المملكة يوميا يعادل خزانات (مترx مترx متر) متلاصقة ببعضها بمسافة طولها من الدمام إلى جدة 46 مرة؟
هل أصبحنا لا ندرك ولا نعي مفهوم الإحصاءات؟ وكيف يُسمح بمثل هذه الإحصاءات؟ أين المستشارون؟ وأين المختصون؟
أين الأنابيب الداخلية وأين أعمال الحفر والحفارات وأين صهاريج التخزين؟ خصوصا أن 95% من مصادر المياه من الآبار! نحن بالكاد لدينا خزانات في مجمع صغير في كل مدينة. وأين الزراعة التي نتحدث عنها إذا كان 85% من مياهنا للزراعة؟ بلدنا كلها صحراء صفراء اللون عندما تنظر لها على خارطة جوجل عبر الأقمار الاصطناعية!
تحدثنا سابقا عن مقارنة حجم المياه المستخرجة من الآبار بالمملكة والتي تصل إلى أكثر من 3 أضعاف النفط المستخرج يوميا في دول العالم، نحن هنا لا نقارن الماء بالنفط ولكن نقارن الحجم بالحجم الذي ليس له علاقة بنوع السائل، وأن استهلاك الفرد في المملكة 250 لترا يوميا وهذا يعادل معدل استهلاك السيارة في شهر كامل. ليس من المعقول أن يكون استهلاك عائلة مكونة من أب وأم وأربعة أطفال في يوم واحد يعادل استهلاك سيارتهم من البنزين طوال 6 أشهر!
المياه تعتبر المصدر الأكثر خطرا وتهديدا على حياة الإنسان مستقبلا، فالاستثمارات والخطط ستبنى على هذه المعلومات. أخشى ما أخشاه أننا نبني خططنا ومشاريعنا على معلومات خاطئة، ونبني معامل التحلية بعشرات المليارات لنحلي المياه وننقلها عبر أنابيب كبيرة جدا مدفونة تحت الأرض، وتتسرب غالبية المياه تحت الأرض حسب بعض المعلومات التي أدلت بها الوزارة والتقارير والتصريحات.