من السهل على الجهات الحكومية في المملكة أن تُرَكِز جهودها على الوكالات الثلاثة الكبرى للتصنيف الائتماني وتدعوها لزيارة المملكة دورياً لتزويدها بالمعلومات الدقيقة حتى لا تصدر هذه الوكالات تقاريرها المليئة بالأخطاء

 تخضع قدرة الدول على الوفاء بالتزاماتها المالية لوكالات التصنيف الائتماني، حيث يقوم المحللون في هذه الوكالات بتقييم المخاطر التي تواجه الملاءة الائتمانية الحالية والمستقبلية لتلك الدول، وإصدار تقاريرهم التي تُعَدُ بمثابة شهادة لمؤسسات الإقراض تجاه المقترضين ومقياس لأوضاع المقترضين أمام مؤسسات الإقراض.
وبالرغم من أن هذه التقارير تُعَبِر عن وجهة نظر وكالات التصنيف الائتماني، إلا أن التقييم الوارد فيها يعتمد على المعطيات والمعلومات المتوفرة والصادرة عن الجهات الرسمية في الدولة، أو من خلال تقارير الشركات الاستشارية المعتمدة، أو مكاتب التدقيق العالمية. لذا تبادر الدول بدعوة وكالات التصنيف الائتماني لزيارتها ومتابعة أعمالها وتزويدها بالمعلومات الدقيقة عن اقتصاداتها الحالية وتطلعاتها المستقبلية، حتى لا تخطئ هذه الوكالات في تقييم وتصنيف الدول.
ومع أن التصنيفات الدولية تتضمن 7 درجات لتصنيف المخاطر، جاءت قرارات بازل الدولية لتدعمها بعوامل صارمة أخرى حول كفاية رأس المال في تحديد وزن المخاطر للبنوك، ومبادئ التحليل المالي، وعناصر تقييم درجة الأصول والموارد المالية وتدفقاتها النقدية، إضافةً إلى عامل القروض الحالية ووسائل تغطيتها المستقبلية. لذا تعتبر الملاءة المالية ظاهرة تقييم متعددة ومتشعبة حيث لا توجد معادلة واحدة تجمع عناصرها مثل التوقيت والموقع والعملة ونوع السندات والظروف الاقتصادية والسيادية، مما يتوجب على الدولة المستهدفة ضرورة مراقبة وكالات التصنيف في عمليات التقييم.
وحيث إن وكالات التصنيف الائتماني تعتبر شركات خاصة تصدر تقييمها للجدارة الائتمانية للدول، مما ينعكس إيجاباً أو سلباً على ثقة المستثمرين في هذه الجهات وعلى تكاليف ديونها من الأسواق المالية، فإن المؤسسات المالية تسعى عادةً للتركيز على وضع الدولة الائتماني، فكلما ارتفع تصنيف الدولة الائتماني كلما ازدادت فرص حصولها على القروض.
ومع أن عالمنا اليوم يحتوي على نحو 156 وكالة للتصنيف الائتماني، تعمل في 34 دولة حول العالم، إلا أن هنالك ثلاث وكالات منها فقط تحتكر 91% من سوق التصنيف العالمي، وهي وكالة ستاندرد آند بورز التي تأسست في عام 1860، ومؤسسة موديز التي تأسست في عام 1909، ووكالة فيتش التي تأسست في عام 1913، فيما تتنافس باقي الوكالات على حصة سوقية لا تزيد قيمتها عن 9% من حجم السوق المقدرة قيمته بنحو 300 مليار دولار أميركي.
لذا من السهل على الجهات الحكومية في المملكة أن تُرَكِز جهودها على الوكالات الثلاثة الكبرى للتصنيف الائتماني وتدعوها لزيارة المملكة دورياً لتزويدها بالمعلومات الدقيقة حتى لا تصدر هذه الوكالات تقاريرها المليئة بالأخطاء. فبعد الخطأ الذي اقترفته مؤسسة ستاندارد آند بورز الائتمانية خلال شهر فبراير الماضي في تخفيض تصنيف المملكة بدرجتين، تبعتها في الأسبوع الماضي مؤسسة فيتش الائتمانية لتخطئ أيضاً في تخفيض تصنيف المملكة على المدى البعيد متذرعةً بالتأثيرات السلبية لانخفاض أسعار النفط على الاقتصاد السعودي. وبررت المؤسستان موقفهما بأن: تخفيض التصنيف جاء بسبب توقعات أسعار النفط خلال العامين الجاري والقادم، التي تتأرجح بين 35 دولار و45 دولار للبرميل الواحد، مما سيكون له تأثيرات سلبية على الأرصدة النقدية والخارجية السعودية. ولعلنا نعود في التاريخ لعام 2008، حيث ارتكبت وكالات التصنيف الائتماني أخطاءً جسيمة في تقييم شركات الرهن العقاري الأميركي مما تسبب في اندلاع الشرارة التي فجرت الأزمة المالية العالمية. ونتيجة لاعتراف وكالة موديز بارتكابها أخطاء تتمثل في سوء تقييم خطورة سندات الرهن العقاري، ازداد الانتقاد الشديد لوكالات التصنيف بسبب فشلها في التنبؤ بالأزمة المالية، مما دعا مكتب الادعاء بولاية نيويورك في مايو 2010 إلى بدء التحقيق مع مسؤولين في عدة بنوك كبرى مثل سيتي غروب وغولدمان ساكس ومورغان ستانلي بشأن احتمال قيامها بتضليل وكالات التصنيف بشأن الجدارة الائتمانية لسنداتها المتعلقة بقروض الرهن العقاري لتحقيق المكاسب، مما أدى إلى حصولها على تقييم عال قبل أن يتبين فيما بعد أن هذه السندات غير جديرة بهذا التصنيف.
ونتيجة لهذه التداعيات وإفلاس المؤسسات الأميركية العقارية الكبرى، أثار احتكار المؤسسات الثلاثة للتصنيف الائتماني حفيظة الكونجرس الأميركي، الذي لجأ فوراً إلى اتخاذ قرار يهدف إلى تسهيل منح التراخيص لوكالات ائتمانية أخرى للتقليل من السيطرة شبه الكاملة التي تتمتع بها الوكالات الثلاثة، خاصةً وأن هذه الوكالات بدأت تفتقر إلى شروط الموضوعية والاستقلالية والشفافية.
وفي يوليو 2010 انتقد رئيس مؤسسة التصنيف الائتماني الصينية مؤسسات التصنيف الأميركية، التي تسيطر على سوق التصنيف لتسببها في الأزمة المالية، مؤكداً أن حكومة الصين يجب أن يكون لها رأي في كيفية تصنيف ديونها، واتهم المسؤول الصيني مؤسسات التصنيف الغربية بأنها مسيسة ومليئة بالأخطاء لأنها لا تلتزم بالمعايير الموضوعية.
موجة هذه الانتقادات امتدت إلى أوروبا، وذلك عقب قرارات التخفيض المتوالية لتصنيفات الدول الأوروبية التي انحدرت إلى أزمة ديون سيادية وعلى رأسها اليونان والبرتغال وإيرلندا، مما دعا المفوض الأوروبي لشؤون تنظيم الأسواق في نوفمبر 2011 إلى وضع قواعد صارمة تجاه عمل وكالات التصنيف الائتماني، ومنها السماح لأي دولة أو مستثمر في الاتحاد الأوروبي بطلب تعويضات لدى محكمة مدنية إذا تكبد خسائر جراء خطأ أو شطط ارتكبته إحدى تلك الوكالات. علينا في المملكة أن نصحح أخطاء وكالات التصنيف الائتماني، وأن نبادر بدعوة كبار مسؤوليها لزيارتنا وتعريفهم بمتانة اقتصادنا وقوة مؤسساتنا المالية التي حققت المركز الرابع على مستوى العالم في ملاءتها وصرامة قوانينها.