ليس لدينا حركة نقدية نشطة بالمعنى الحركي للنقد، إلا من خلال بعض الكتب والدراسات والملتقيات بين وقت وآخر، كما أنه ليس من الصعب معرفة حقيقة أن النقد في مشهدنا الثقافي ما زال في مرحلة ألف باء النقد، وأن الحركة النقدية لدينا ما زالت تمر بهشاشة المضامين النقدية تنظيريّا وتطبيقيّا، وأنها تعاني من أزمة راهنة وقائمة، ولم تتجاوز مستوى التقييم والآراء الانطباعية، وهو ما يفسر وصف المتابعين للملتقي النقدي الخامس الذي نظمه النادي الأدبي في الرياض، بأن مشاركات الحضور كانت تفوق البحوث النقدية المقدمة في الملتقى من ناحية الدقة في الملاحظات والجدية والعمق والشمولية.
تقوم المؤسسة التي تتبنى التنظيم لأي ملتقى أدبي أو نقدي بدور مهم وفاعل وقدير، غير أن دورها ينتهي عند تقديم الإمكانات المكانية والمالية والاحتفالية، وليس أكثر من هذا، بينما يكون الدور الحقيقي في خلق حركة نقدية فاعلة أو الدفع بها إلى مسافة قوة حقيقية، هو دور الناقد وهو المحرك والقائد الفعلي في مدرسة ألف باء النقد.
من هنا، نجد أن الحركة النقدية باتت متاحة للجميع، واتسعت دائرة النقاد أنفسهم، كلٌّ حسب مدى شهرته الاسمية أو الاعتبارية أو قربه من المتنفذين في المؤسسات المعنية بتنفيذ وإظهار الفعاليات النقدية أو الأدبية، ويأتي تمكن الناقد من أدواته النقدية خيارا أخير في إدراجه في هذه القائمة.
اتسعت دائرة الاحتفاليات النقدية بينما ضاقت الدائرة النقدية، فليس لدينا على الرغم من كل النتاج الأدبي والبحثي والمؤسسي، أية تيارات نقدية باستثناء التيارات النقدية الغربية التي يُستعان بها. زاد الأمر سوءا أن جُل ما يكتب على اعتبار أنه فعل نقدي يتم طباعته وتصديره للمكتبة النقدية لدينا ليوثق ويحتسب ضمن الدراسات النقدية، وبهذا لا يكون لدينا إلا الحد الأدنى من الذائقة والحركة النقدية لسد الفجوة التي تتسع.
لقد انعكس كل هذا على المتابع للإبداع، في الشعر والقصة والرواية، وبات كثير من الأوراق مختلطة، وأن الناقد المتعمق الذي هدفه النص بشكل فعلي قد توقف عن رصد السياق الأدبي، وتوارى بعيدا عن الإبداع والمبدعين، وأصبح هناك فعليا حاجة ماسة لتصحيح أوضاع المشهد النقدي بشكل جاد لتجاوز مرحلة ألف باء النقد، فالنقد ليس مجرد دارسين وأكاديميين وهواة، هو أكثر من هذا، إنه المدرسة النقدية التي تؤسس للمنجز الأدبي، وتدفع به إلى مستوى التوازن الإبداعي، وتجاوز مرحلة الكم والتجريب إلى مرحلة الإبداع.