المستشفيات الخاصة يتوافر فيها كل شيء إلا الأمانة الطبية والعلاج الصحيح، إضافة إلى أنها تتعامل مع القادم إليها باعتباره 'بقرة حلوبا' يستحق كل رفاهية ممكنة حتى آخر هللة في جيبه

 هل آن الأوان اليوم أن يستفتي أحدنا شيخه قبل الذهاب إلى مستشفى أو عيادة خاصة؟ فالذهاب إلى هذه الأماكن قارب أن يتشابه مع التفحيط وتسلق المرتفعات وغيرها من الأفعال التي لا تؤمن عواقبها.
أظن أنه على رجال الدين اليوم أن يعدوا هذا الأمر ضمن الأمور المؤدية إلى التهلكة، ثم يستخرجوا الفتوى، فإن الذهاب إلى المستشفى أو العيادة الخاصة اليوم، وبالمعنى الحرفي، بات رحلة إلى المجهول، رحلة إن عاد منها المريض سالما فسيقول بعبارات ندم: قد أمضيت شهورا في إحدى المستشفيات الخاصة، تعرضت خلالها لكثير من الأذى النفسي والمعنوي والاستنزاف المادي.
كما لا أستبعد أن يحاكم أحد الجناة بالذهاب فورا لفتح ملف في مستشفى خاص.
لكن، وللأمانة، لا بد من الاعتراف بأن سيراميك المستشفيات الخاصة يتم تنظيفه بشكل يومي، وأن غرفها مكيفه ومجهزة بكثير من الرفاهيات والقنوات التلفزيونية، وأن للعاملين ابتسامة براقة ناصعة تستمر إلى أن يتم الدفع!. إنها أماكن يتوافر فيها كل شيء إلا الأمانة الطبية والعلاج الصحيح، إضافة إلى أنها كثيرا ما تتعامل مع القادم إليها باعتباره بقرة حلوبا يستحق كل رفاهية ممكنة حتى آخر هللة في جيبه.
وأيضا، هل آن الأوان أن نضيف الأمانة الطبية في القطاع الصحي الخاص إلى الغول والعنقاء كخرافة وأسطورة جديدة نتسامر حولها؟ فالربح في هذا القطاع بات سيد الموقف، والجشع هو الدافع والمحرك، والفهلوة والشطارة من أساسيات الإدارة، ألا ترى يا صاحبي كيف أن أهم إدارة في تلك المستشفيات هي الإدارة القانونية!
كل هذا التحرز والحذر الذي يجعل الثعلب تلميذا، دلالة على وجود محاولات دؤوبة للتملص من أي مأزق قانوني، ولأجل هذا الهدف يتم العزف دوما على وتر جهل المريض بالقانون، ليخرج لنا لحنا نشازا عماده التحايل والمراوغة والنصب مع سبق الإصرار والترصد، وكأن خداع قاضي الأرض يضمن النجاة من عدل قاضي السماء.
أطرح هذا الكلام، ليس نقمة على المستشفيات الخاصة، لا والله، بل هو السخط والاستياء والتذمر، فالمشاهدات والحوادث المتكررة والموثقة تداهمنا إعلاميا، وعلى مواقع التواصل بين الفترة والأخرى، فنسمع ونقرأ مشدوهين وكأننا أمام مشاهد مقتبسة من أفلام الرعب والجريمة المنظمة!. هذه امرأة يفاجئها المخاض فينتهي بها الحال جثةً ملقاة خلف الباب، ثم تتقدم الإدارة القانونية في المستشفى بمطالبة أهل المتوفاة بدفع تكاليف المجزرة التي أحدثها الكادر الطبي!، وهذا شاب أراد إجراء عملية اللحمية ليخرج بشلل نصفي، وقد دفع كامل التكاليف! وفي الأخير يتم تصنيف كل هذه الخيانات الطبية العظمى على أنها أخطاء!. إنها أبدا ليست أخطاء، إنما عمليات منظمة مدروسة، هدفها الرئيسي ضمان أكبر عائد ربحي ممكن، علينا أن نكف عن تصنيف ما يحدث بأنه خطأ فمصطلح خطأ هنا عدم أمانة.
إنه الغياب التام للأمانة الطبية، هذه الأمانة التي انضمت اليوم إلى كان وأخواتها في جمل مبنية بالكامل على النصب، وللأمانة فإن الأمانة الطبية في هذا القطاع لم يغيبها الكادر الطبي وحده، إنما يشاركهم أيضا ذلك المالك أو مجموعة الملاك الذين اعتادوا أن تمتلئ حساباتهم البنكية بمبالغ شهرية وقدرها، هنا يكون هدف إدارة المستشفى الرئيسي هو ضمان هذا المبلغ لأولئك، فمتى ما نجحت الإدارة في هذا الأمر ستلتفت حينها إلى تحقيق الأرباح، والأرباح غالبا لها عدة مسالك، كـمرمطة المريض واستنزافه ماديا، وهذا ما يتم في الغالب عبر تخويف المريض حد الرعب على صحته.
ومن المسالك الربحية كذلك خفض أجور الأطباء العاملين، مع وعدهم بنسبة محددة من كل مبلغ يدفعه المريض، مما يعني أن المريض سيجد نفسه في الأخير قد دفع للمالك دخله الشهري، ودفع الأرباح للإدارة، ودفع نسبة الطبيب، إضافة إلى فواتير الماء والكهرباء وأجور العمال وقيمة التنظيف اليومي للسيراميك للرفاهية ثمن!.
إن الحديث هنا تحديدا عن القطاع الصحي الخاص لا يعني بالضرورة أن القطاع الصحي الحكومي أكمل وأرقى، لكن يمكن تلخيص المسألة كالتالي: إن ضريبة مجانية العلاج في القطاع الصحي الحكومي هي هذه البيروقراطية الكريهة والمواعيد الممطوطة بلا معنى، لكن هنالك علاجا وبقايا أمانة وملاحظة وعملية تحسين مستمرة.
أيضا، فإنه مقابل كثير من المال الذي يدفعه المريض في القطاع الصحي الخاص، فإنه لا يجد الأمانة الطبية ولا العلاج، صحيح أنه سيجد الرفاهية متوافرة أمامه، وكأنه في فندق 5 نجوم، لكن ما فائدة السيراميك النظيف على المريض إن كان الطبيب جزارا؟!
ختاما، على المسؤولين المعنيين في البلد أن ينظروا إلى ملف القطاع الصحي الخاص، لا على أنه قطاع يعاني من خلل، بل على أنه مرض في جسد المجتمع، وأحد الحلول أن يتم ربط الأنظمة الإلكترونية لكل المستشفيات الخاصة بنظام إلكتروني واحد، تشرف عليه جهة محددة ومستقلة، فقد مللنا ونحن نسمع ونقرأ عن عمليات التلاعب بملفات المرضى، بغرض إخفاء الأدلة كمحاولة ضمن عدة محاولات للتخلص الدؤوب من أي مأزق قانوني!
الضحية هنا دائما هو هذا المواطن الذي يندفع مخدوعا بجمال الواجهة الرخامية للمستشفى الخاص، ليكتشف بعدها أنه للتو قد دخل عالما يتقاطع في بعض نقاطه وعالم الجريمة المنظمة.
وأخيرا، ومن باب الأمانة، فلا بد من ختم الموضوع بعبارة إلا ما رحم ربي.