تغير الزمان ومتطلباته وظروفه الحياتية، يتطلب قراءة مختلفة لنصوص زواج القصّر، خاصة أنها تشير إلى حالة تاريخية لها ظروفها الخاصة التي لا يمكن أن تكون تشريعا يمتد عبر الزمان

ليست هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن أهمية مراجعة كثير من الكتب التراثية الإسلامية، فالقصص التي نقرؤها في كتب السيرة عن الرسول الكريم، وكذلك عن كثير من الممارسات الحياتية للسلف، لا يمكن فصلها عن سياقها التاريخي، أي لا يمكن رؤيتها كنماذج صالحة لحياتنا في هذا الزمان.
إن عدم أخذ السياق التاريخي بعين الاعتبار، هو الذي أتاح للبعض استعراض أحداث ذلك الزمان على أنها قوانين ملزمة وثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان.
ومن جملة هذه القضايا زواج الأطفال والصغيرات. ففي الأسبوع الماضي احتفلت إحدى الأسر في المملكة بإقامة حفلة زواج لأصغر عريس في السعودية، والبالغ نحو 15 عاما على ابنة عمه المساوية له في العمر.
السؤال: كيف يمكن أن يقر الشرع زواج الأطفال والصغيرات وهو يسبب أضرارا صحية ونفسية؟ فمثلا يؤكد تقرير اليونيسيف عن حالة الأطفال في اليمن، أن من الظروف الشائعة والمسببة لضعف صحة الأطفال أكثر في الريف، والتي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات، ظاهرة زواج الأطفال، إذ يتعرض الأطفال في سن مبكرة لضغوط اجتماعية ونفسية تؤثر بشكل عام على صحتهم وبناء شخصياتهم؛ إذ لم يكتمل نضجهم النفسي، ولم يكتسبوا الشخصية والهوية والثقة بالنفس، خصوصا في مرحلة المراهقة!
وزارة الصحة السعودية أكدت هي الأخرى في أحد تقاريرها قبل سنوات، أن الأضرار الصحية الناتجة عن زواج الأطفال، هي الإصابة بأمراض مصاحبة لحمل صغيرات السن، من أبرزها حدوث القيء المستمر عند حدوث الحمل وفقر الدم والإجهاض، إذ تزداد معدلات الإجهاض والولادات المبكرة، وذلك إما لخلل في الهرمونات الأنثوية، أو لعدم تأقلم الجسم على عملية حدوث الحمل، مما يؤدي إلى حدوث نزيف وارتفاع حاد في ضغط الدم ربما يؤدي إلى فشل كلوي ونزيف داخلي وحدوث تشنجات وزيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات في العمر المبكر، وارتفاع نسبة الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة وظهور التشوهات العظمية، إضافة إلى الآثار النفسية مثل الحرمان العاطفي من حنان الوالدين والحرمان من عيش مرحلة الطفولة، إذ إن حرمان الأطفال من الاستمتاع بهذه السن يؤدي إلى تعرضهم لضغوط تظهر في صورة أمراض نفسية، مثل: الهستيريا والفصام والاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية.
وعليه، فإننا في أمس الحاجة الآن إلى نقلة نوعية في طريقة قراءة الكتب التراثية الدينية، لأن تغير الزمان ومتطلباته وظروفه الحياتية، يتطلب قراءة مختلفة لنصوص زواج القصّر، خاصة أنها تشير إلى حالة تاريخية لها ظروفها الخاصة لا لتشريع يمتد عبر الزمان، فاستمرار الثقافة الإسلامية على نهج القراءة الحرفية خارج السياق التاريخي سيرهقنا، إذ يتعاند فيها الإنسان مع منطق زمانه.
أخيرا أقول: إن إقحام الأطفال في زيجات هو أمر مخالف لنظام حماية الطفل من الإيذاء الذي تم تشريعه في المملكة، والذي تطرق بشكل واضح إلى هذه القضية، فقد عرّف الإيذاء بأنه الاعتداء العاطفي للمرأة والطفل، والذي يضر بصحتهما النفسية وإحساسهما بقيمتيهما الذاتية، وهذا يعني أن زواج الأطفال يدخل ضمن الإيذاء الواقع عليهم، باعتبار عدم اكتمال نموهم العاطفي والنفسي، فزواجهم قبل إتمام سن الـ18 يعد اعتداء عاطفيا ونفسيا.