على خلاف ما جرى عليه العرف في تركيا قام فخامة الرئيس رجب طيب إردوغان بالإطاحة بالبروتوكول التركي ليكون على رأس مستقبلي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عند وصوله بسلامة الله إلى العاصمة التركية أنقرة، وهذا الأمر سيقرأه المحللون والمتابعون للشأن السعودي التركي بعدة قراءات وتفسيرات وتحليلات، إلا أنني شخصيا أقرأه من زاوية ما يكنه الرئيس التركي من محبة وأخوة واحترام وتقدير للمملكة العربية السعودية، وللدور الكبير الذي يلعبه سيدي الملك سلمان في السياسة الإقليمية والدولية، حيث استطاع ومن خلال قرارات جريئة وفي وقت حاسم أن يعيد تجميع الأمة تحت الراية الإسلامية لاستعادة هيبتها وتلاحمها وتضامنها وتوحدها ضد قوى الشر والإرهاب التي عاثت فسادا في البلاد العربية والإسلامية.
وتأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- إلى جمهورية تركيا كزيارة رسمية إلى أنقرة، وللمشاركة في القمة الإسلامية المنعقدة في إسطنبول منتصف أبريل الجاري، انطلاقا مما يجمع ما بين المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا من علاقات تاريخية وإسلامية عميقة ومتجذرة، ولتعزيز وتطوير هذه العلاقات الثنائية بين البلدين وأخذها إلى آفاق أرحب، إن شاء الله. فالعلاقات السياسية وتنسيق المواقف بين البلدين تنمو وتتطور بشكل مطرد يعكس متانة هذه العلاقات وتطابق رؤاها حيال العديد من الملفات في منطقة الشرق الأوسط، ولعل في مقدمتها القضية الفلسطينية والأزمة السورية والأوضاع في العراق واليمن وليبيا، وسعي البلدين الدؤوب إلى حلها بما يضمن تحقيق أمن واستقرار المنطقة. فالمملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا بما يمتلكان من تأثير يبذلان جهودا ملموسة لتحقيق هذا الهدف من خلال تكثيف التشاور والتعاون بينهما وبين المجتمع الدولي في هذه الملفات الساخنة، بالإضافة إلى محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن وسلامة واستقرار شعوب المنطقة.
ولا شك أن تركيا بما لها من مكانة إقليمية ودولية مهمة ساندت شقيقتها السعودية في هذه الأوقات ودعمت عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في اليمن، وكذلك إعادة الأمل للشعب اليمني الشقيق الذي كادت تعصف به التدخلات الأجنبية في شؤونه لتسلبه حقوقه ومكتسبات ثورته، وقد تحققت بفضل الله ثم بفضل ملك الحزم نتائج باهرة في الملف اليمني. كما أن وقفة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- المشهودة في الأزمة السورية قلبت موازين المخططات الإيرانية للتمدد في ربوع العالم العربي، وشهدنا احتضان المملكة الوفد التفاوضي السوري في عاصمة العرب الرياض، مما أعطي دفعة قوية في محادثات العملية السياسية بين الأطراف. وهذا الأمر دعمته أيضا تركيا والمجتمع الدولي.
وفي الشأن الاقتصادي فإن هذا الملف هو أحد الملفات المهمة في العلاقات السعودية التركية، فالمنتدى الذي سينعقد في إسطنبول عن فرص الأعمال السعودي التركي، على هامش الزيارة الملكية الكريمة، يتناول استكشاف فرص الاستثمار في مختلف القطاعات كالإسكان والرعاية الصحية والصناعة والزراعة والتعليم وقوانين الاستثمار في البلدين، يعكس رغبة البلدين لتعزيز التعاون المشترك بشكل يعكس تطلعات القيادة في البلدين ورغبتهما في تقوية الجانب الاقتصادي والاستثماري بما يخدم قطاع رجال الأعمال والمستثمرين، وفي الوقت نفسه الإمكانات الكبيرة لدى البلدين.
وأخيرا فإن هذه الزيارة الميمونة لتركيا ستكون لها آثارها الإيجابية للدفع بالعلاقات السعودية نحو آفاق إستراتيجية في كافة مجالات التعاون والتنسيق بين البلدين الكبيرين، حيال العديد من الملفات والقضايا الإسلامية الساخنة، حيث تحتضن إسطنبول القمة الإسلامية الثالثة عشرة لتناقش هذه القضايا وإيجاد حلول لها لتنطلق الأمة الإسلامية نحو مستقبل مشرق، بإذن الله.