أكد الباحث والكاتب السوري أحمد الرميح أن مأساة الحرب المستمرة في سورية منذ أكثر من 5 سنوات أوقفت الإنتاج الثقافي للكتاب والباحثين السوريين، بسبب تدمير دور النشر في سورية إثر الحرب الطاحنة التي يقودها الأسد لإحراق سورية، إضافة إلى انشغال المثقف السوري عن التأليف بمعاناته اليومية، والوضع الاقتصادي الذي لا يسمح للمثقف السوري بأن ينتج. وبين الرميح لـالوطن بأن هذه الأسباب جعلت المثقف السوري يتجه للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ليؤرشف ويؤرخ للإنتاج الثقافي الذي عاصر الثورة السورية ضد الأسد. وأكد أن الأسباب التي أوقفت الإنتاج الثقافي منها تدمير دور النشر في سورية التي كانت تهتم بطباعة إنتاج المثقف السوري، إضافة إلى عدم اهتمام دور النشر في تركيا بالإنتاج العربي، وأخيراً الوضع الاقتصادي للمهاجرين الذي لا يسمح لهم بالإنتاج، فإلى نص الحوار:
*هل حمل المثقف السوري هموم مجتمعه ؟ وهل توقف إنتاجه متأثرا بالأزمة السورية؟
لا شك أن المثقف الحقيقي والأصيل هو من يحمل هموم مجتمعه ليعبر عنها، ويرسم خارطة طريق نحو التقدم والازدهار والنمو والحضارة، إضافة إلى كونه الضمير الحي لمجتمعه. ولقد استطاع الاستبداد الأسدي خلال نصف قرن أن يهمش هذا النوع من المثقفين، لتنشأ طبقة مداهنة ثقافيا، ومزورة للحقائق ومُجَمّلة للاستبداد الأسدي، وبعيدة عن هموم وتطلعات المجتمع السوري. حتى جاءت الثورة 2011 لتقلب الطاولة على هؤلاء المثقفين ولتعيد المثقف الحر إلى واجهة الفعل، ليكون معبراً حقيقياً عن أحلام وتطلعات المجتمع، ولكن الأزمة أثرت على المثقف وعلى الثقافة السورية، فالنزوح والتهجير والعوز والحاجة، جعلت المثقف يلتفت إلى أسرته، لتأمين الحياة بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت. فابتعد عن الإنتاج خصوصاً بعد تدمير ما كان يدفعه للإنتاج من دور نشر وتوزيع وطباعة، حيث لم يعد لهذه البضاعة سوقاً، ولم تعد في أوليات المجتمع الذي يعاني ويلات حرب لم تبقِ ولم تذر.
*كيف يؤرخ المثقف السوري للثورة في ظل ما ذكرت؟
للأسباب التي ذكرتها إضافة للوضع الاقتصادي اتجه الكتاب إلى مواقع التواصل الاجتماعي وساحات الإنترنت لتؤرخ للإنتاج الثقافي ونلحظ بأنه غلب على كتابات المثقفين السوريين وما ينشرونه على الإنترنت طابعاً ثورياً وهذا طبيعي، فالمفكر والكاتب والشاعر والقاص معبر في إنتاجه عن الحالة الثورية. موجهاً لها وناقداً لأخطائها وباعثاً للأمل بنجاحها. ولكن ما يعيب هذه الظاهرة أنها غير مؤرشفة مع استثناءات نادرة. إلا أننا نجد بعض المثقفين والكتاب ممن استطاع أن ينتج حول الثورة. فوجدنا من يعبر عنها بكتاباته السياسية وذاك بشعره والثالث أدباً وهكذا، حتى أصبحت لدينا ظاهرة ثقافية يمكن أن نسميها فكر الثورة وأدبها.
مأساة المثقف الفقير
*هل يمكن القول إذاً إن الأزمة أثرت في الجانب الثقافي بشكل كبير؟
صحيح، فالمشهد الثقافي السوري يعاني من مأساة المثقف الفقير، حيث أهمل دعم الجانب الثقافي والفكري بشكل كبير فلم تنشأ لهم المؤسسات لتجميعهم حتى تهتم بشؤونهم المعاشية وإنتاجهم الفكري والثقافي، وغالبية التجمعات التي ضمت هؤلاء هي افتراضية ليست ذات طابع تنظيمي ومؤسساتي، إنما موجودة فقط في العالم الافتراضي المتمثل بمواقع التواصل الاجتماعي، وبجهود فردية، مما جعل الإنتاج غير منظم وموثق وليس له حقوق محفوظة وغاب المثقفين السوريين عن حضور الفعاليات الثقافية في الوطن العربي.
*كأنك تقول إن المثقف السوري أهمل؟
نعم أهمل تماماً، لم يدعم لكي ينتج أدباً أو شعراً يواجه الاستبداد الأسدي، لم يتم إنشاء مركز للبحوث والدراسات والتاريخ الثوري، أو مؤسسة نقابية تجمع هؤلاء لترعى شؤنهم وإنتاجهم!.
*كيف واجه المثقف السوري الحرب؟
بعقلية الناقد للأخطاء التي وقعت في الحراك الثوري وعراها، لم يداهن ولم يجامل، ولكن هناك اختلاف ظاهر وواضح في الحالة الثقافية تمثل بالافتراق الكبير ما بين المثقف الإسلامي وغير الإسلامي. إذ إن المثقفين الإسلاميين انكفؤوا باتجاه العسكرة أو الإغاثة وأهملوا الدعوة والفكر والثقافة. أما غير الإسلاميين فكانوا الأكثر حراكاً في المجال الفكري والثقافي، وهم الأبرز في هذا الباب، بكل أشكاله وتلاوينه. وإذا سُجلت هذه المرحلة التاريخية سنجد بأن الإنتاج الثقافي الإسلامي يكاد أن يكون صفراً، إلا بعض الحالات القليلة، بعكس الآخرين الذي كانوا الأنشط والأغزر إنتاجاً، وهذه نقطة تسجل لهم.