كثيرون في مجتمعاتنا يحملون على ظهورهم ألف عقدة نفسية، بسبب الضرب العشوائي الذي كان يمارسه المعلم، والأب، والأم، والإخوان، والأعمام

 يقول أحدهم وهو يعقب على مقطع خيزرانة العم معيض: يا إخوان، يا زين التربية أيام زمان مع الضرب، ها نحن تربينا وتعلمنا مع الضرب، وليس مثل هذا الجيل الذي يعيش على الدلع والغنج والدلال، جيل قليل الأدب والتربية والتعليم...
يقول كل هذا، ونحن نعرف أن كثيرين في مجتمعاتنا يحملون على ظهورهم ألف عقدة نفسية، بسبب الضرب العشوائي الذي كان يمارسه المعلم في المدرسة، والأب، والأم، والإخوان، والأعمام على أساس أن الطفل لا يتعلم إلا بالرفس والركل والضرب بالخيزرانة، بل إن ضربه كفا واحدا -كما يزعمون- كفيل بحل عشر قضايا تربوية ومشاكل أخلاقية عند الولد، وبعدها يتربى ويصبح رجلا مكتمل الرجولة تفتخر به الأمة، على طريقة كلما أكل الولد ضربا أكثر ازداد رجولة!
ولذلك، انهالت النصائح العبقرية والتي ما زالت إلى الآن من قبيل النصيحة الأزلية التي يرددها الآباء والأمهات لأبنائهم قبل ذهابهم للميدان المدرسي: يا ولدي، في المدرسة خلك رجال إللي يضربك أضربه.
هذه المقولة التربوية الخالدة، سمعها كل الأطفال من المحيط إلى الخليج أو مثلا مقولة: هذا ابني فلكم اللحم ولنا العظم، وهي العبارة التي لطالما يرددها الآباء للمعلمين، أي اضربوه كما تشاؤون، لكن اتركوا لنا العظم، ولذلك ليس غريبا أبدا في ظل ثقافة لغة العصا أن تتابع مشهد زوج يضرب زوجته، أو أم تضرب الأبناء، أو زوجة تضرب الخادمة، أو أخ يضرب الإخوان.
الكل يمارس دوره في الضرب لحل مشاكله المستعصية، متمنين من كل قلبهم أنه بهذا الكف تنتهي كل المشاكل ويتربى الناس، ولكن في النتيجة لا الزوجة تحترم زوجها، ولا الابن يقتنع بكلام أهله الذين يريدون إقناعه بمنطق الضرب.
يقول أحد المقيمين العرب في بريطانيا: ابنتي تغير سلوكها بشكل سلبي في بداية دخولها المدرسة لشعورها بأن العقاب الجسدي لا خوف منه، إذ تحولت من تلميذة مطيعة وهادئة في ظل ثقافة الضرب، إلى عنيدة وكثيرة الحركة في ظل ثقافة اللا ضرب، بيد أن ذلك كان مرحلة قصيرة، فبعد صبر وجهد من معلمتها الإنجليزية عادت الطفلة لطبيعتها الهادئة والمطيعة.
والفرق واضح وجلي، أنه في الحالة الأولى كان سلوكها الإيجابي تحت تهديد الضرب، بينما كان السلوك الإيجابي ذاته في ظل الترغيب والتحفيز.
بل إن القوانين الأوروبية تجبر الأب والأم قبل دخول الابن أو الابنة على تعهد خطي للمدرسة ودائرة الشؤون الاجتماعية بأن يلتزما بقانون حماية الطفل. من هنا، يظهر أثر تعليم حقوق الإنسان في البيئة التربوية؛ فأوروبا تملك كثيرا من التشريعات والقوانين لحماية الأطفال من إساءة المعاملة والإهمال، حتى أصبحت جزءا من الخلفية الثقافية للمجتمع، وكذلك اهتمامها الخاص بالسياسات الحقوقية المدرسية التي ترتكز على مصالح الطفل الفضلى، التي تتنافس معها كثير من الدول أمثال: أميركا والنرويج وبريطانيا والسويد وأستراليا.
أما نحن، فقد مضت 19 عاما على مصادقة المملكة على اتفاقية حقوق الطفل، وتعليمنا ما زال يخلو من ثقافة حقوق الطفل في المدارس، وهنا أذكر مقالة لوزير التعليم في صحيفة الحياة قبل تعيينه وزيرا والمعنونة بـالتعليم وثقافة حقوق الإنسان يقول فيها: هناك مسؤولية واضحة على مؤسسات التربية والتعليم العام والجامعي، بأن تنفتح على الثقافة الشعبية الجديدة، وأن تبادر إلى تبني قيم حقوق الإنسان بمفهومها العام، وأن تدافع أولا عن حقوق طلابها وطالباتها إذا اُنتهكت من داخل تلك المؤسسات أو من خارجها، ثم تسعى إلى نشر ثقافة احترام حقوق الإنسان بين المعلمين والموظفين والطلبة.
أخيرا أقول: الخطوة الحاسمة التي نفتقر إليها يا معالي الوزير، مرهونة بتطبيق قيم حقوق الإنسان في السلك التربوي، ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، فهي المحك الحقيقي والاختبار الفعلي للحد من بانوراما العنف.