فليرتمِ الرئيس الأميركي في أحضان إيران، فالوضوح جميل، وليته كان واضحا من البداية، ولم يسع لخداعنا منذ خطابه الأول الذي دغدغ به مشاعر العرب جميعا في جامعة القاهرة مع بداية ولايته

 إن السعوديين يجب أن يتقاسموا الشرق الأوسط مع الأعداء الإيرانيين. إن التنافس بين السعوديين والإيرانيين، الذي غذى الحروب بالوكالة والفوضى في سورية والعراق واليمن، يتطلب منا أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين إنهم بحاجة إلى أن يتوصلوا إلى وسيلة وطرق فعالة لتقاسم الجوار وإلى إقامة شكل من أشكال السلام البارد.. أن نقول لأصدقائنا فقط، إنكم على حق في أن إيران هي مصدر كل المشاكل، وأننا سوف ندعمكم في التعامل مع إيران، سوف يعني بالضرورة أن هذه الصراعات الطائفية سوف تستمر في التصاعد، وأن شركاءنا.. أصدقاءنا التقليديين، ليست لديهم القدرة على إطفاء الحرائق بأنفسهم وأن يربحوا بأنفسهم، وسوف يعني أننا يجب أن نستخدم قوتنا العسكرية لحسم الأمر. وهذا لن يكون لا في مصلحة أميركا ولا في مصلحة الشرق الأوسط.
لم يكن هذا جميع ما قاله السيد باراك أوباما، لكنها كانت عبارات فاصلة أسقطت القناع عن وجهه الجديد، وربما القديم، إذ لا ينقصه إلا أن يقول صراحة إيران حليفنا الجديد، وليس السعودية كما يدعي في عباراته المخادعة ويصفنا بأننا حلفاء أو أصدقاء.
كيف يتحدث الرئيس الأميركي بهذا المنطق المتعالي وكأن مصير الدول بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء؟ من قال للسيد أوباما إن بلادنا في انتظار جنوده ليخوضوا معاركنا؟ لماذا عميت عين السيد أوباما عن كتائبنا التي تسد حدود الوطن في وجه كل مجترئ عليها، ومقاتلاتنا التي تهيمن على أجواء الوطن وما حوله إذا لزم الأمر؟ كيف تصور الرئيس الأميركي أننا حفنة من العجزة ننتظر أن ينظر إلينا نظرة رضا من لدنه هناك في وطنه؟ ألا يعرف أن قسما كبيرا من مقدرات وطنه هذا ثمرة صداقة بلاده عبر عقود من الزمن مع بلادنا على جميع المحاور؟ لماذا لم يتحدث السيد أوباما عن أي وجه آخر لصداقة بلاده مع بلادنا سوى حاجتنا إلى جنوده ليخوضوا معاركنا بدلا منا؟ هل هذه نظرة السيد أوباما لبلاده؟ هل يرى الرئيس الأميركي أن جنود بلاده مرتزقة يخوضون المعارك نيابة عمن يدفع الثمن؟ والله يا سيدي أوباما إن نظرتنا لبلادك أكرم من نظرتك لها بعد هذه التصريحات؟ لقد كنا نعدكم شركاء وأصدقاء تجمعنا المصالح المشتركة وليس الحروب والسلاح وحسب.. استثماراتنا في بلادكم بالمليارات! وطلابنا بعشرات الآلاف! وسائحونا بعشرات الآلاف! ومطاعمكم في بلادنا وسياراتكم وجميع منتجات مصانعكم، حتى إن أبناءنا شبوا على كل ما هو أميركي، فلم نقل لهم يوماً إن هذه ثقافة دولة عدوة لنا، بل طول الوقت نتحدث عنكم كما ينبغي أن يتحدث الصديق عن صديقه والحليف الإستراتيجي عن حليفه!
العرب الذين لا يعجبونك اليوم يا سيادة الرئيس كانوا أوفى منك.. لم يخوضوا في حقك أو في حق بلادك بالسوء كما تفعل اليوم؟ لم نذهب لنستبدل ببلادك حليفاً آخر وما أكثرهم في هذا العالم، وليتنا فعلنا. واليوم ها أنت ذا تضرب لنا أبشع مثل في نقض العهد والانقلاب على الصديق، وليت الأمر وقف عند هذا الحد.
إن حديثك ليس حديث رجل وقف على الحياد بيننا وبين عدونا المتجسد في النظام الإيراني، بل إن واقع الأمر أنك أخذت جانب إيران التي ظلت عدواً لبلادك على مدار عقود، وتربي أجيالها على أن أميركا هي الشيطان الأكبر في هذا العالم، فهب أنك اليوم تلقيت من النظام الإيراني عربون صداقة مجزٍ يجعلك تضحي هذه التضحية العظيمة من أجله، فكيف تتصرف مع أجيال تربت على كراهيتك في إيران وتعدك العدو الأول وربما الأوحد في هذا العالم؟
إن حديث السيد أوباما عن وقوفه على الحياد بيننا وبين إيران ليس أكثر من ادعاء يتنافى مع الحقيقة، فأحاديث الرجل بخصوص العرب السنة والإرهاب الذي يصدرونه للعالم وأن معظم من قادوا هجمات 11 سبتمبر سعوديون، تفضح ما يخفيه في نفسه هو والمحيطون به في البيت الأبيض. أيضاً أحاديث الرجل والمحيطين به عن أن إيران لم تؤذ أميركا بشيء وأن جميع ما ينالهم من هجمات إرهابية مصدرها سني عربي، وعلى وجه الخصوص سعودي، يجسد حالة اندماج ضمني وتعاطف وانحياز للجانب الإيراني. فليرتمِ الرئيس الأميركي في أحضان إيران، فالوضوح جميل، وليته كان واضحاً من البداية، ولم يسع لخداعنا منذ خطابه الأول الذي دغدغ به مشاعر العرب جميعاً في جامعة القاهرة مع بداية ولايته، حتى ظننا أننا أمام رئيس من طراز مختلف يسعى جاداً من أجل سلام عالمي، ومن أجل صداقة جادة مع العالم العربي، ومع بلادنا، لكن ما بدا لنا من الرجل لم يكن سوى فصل من فصول التقية الإيرانية تلقاها الرجل على أيدي أصدقائه الإيرانيين الذين تنتشر جماعاتهم في أميركا عبر أكثر من مركز وجمعية ومنظمة حقوقية، كلها تذرف دموع المظلومية الإيرانية للعالم، تماماً كما تفعل إسرائيل، فالقوم جميعاً بضاعتهم واحدة، ويبدو أنهم ذهبوا إلى المكان المناسب وأخيراً عثروا على الرئيس المناسب الذي لا يمكننا أن نحدد بوضوح كيف يفكر؟ وعلى أي أساس يقيم حساباته التي تخدم مصلحة بلاده شأن جميع الساسة الحكماء؟ هذا إن كان يعرف أين مصلحة بلاده أصلاً.