في الوقت الذي يندفع العراق نحو تحقيق أهداف الثورة الخمينية، وبالرغم من امتلاكه ما يزيد على 140 مليار برميل من احتياطات النفط العالمي إلا أن الأمم المتحدة تحذر من مجاعة حقيقية قد تطال ما يقارب 5 ملايين عراقي
في عددها المؤرخ 7 أبريل 1981 نشرت مجلة الشهيد الإيرانية الحكومية خارطة ولاية الفقيه العالمية، التي أوضحت خطة ضم العالم الإسلامي بمعسكريه الشرقي والغربي إلى إيران، وأن إسقاط العراق سيكون بوابة تحرير المسلمين من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي وصولاً لإندونيسيا. واليوم يؤكد الدستور الإيراني، المكون من 14 فصلاً و177 مادة، سعي ملالي إيران الحثيث لتحطيم العراق وتهجير شعبه وتصدير الثورة إلى باقي دول العالم.
ولطالما أعلن ملالي إيران: أن شرعية الثورة الإيرانية تتمثل في منطق الحدود المفتوحة، فـولاية الفقيه لا تعترف بالحدود والأطر الجغرافية، بل تشمل كافة المسلمين على وجه الأرض، ويجب بذل قصارى الجهد لتصدير الثورة إلى الأجزاء الأخرى من العالم . وتأتي أولوية الهدف المحدد للثورة الإيرانية باتجاه العراق طبقاً لما أكده الخميني في خطابه الأول عام 1979: أن أهم واجباتنا تتمثل في تصدير الثورة الإسلامية، ومن الطبيعي تصديرها إلى العراق أكثر من أي مكان آخر لأنه يعتبر مصدر إلهامنا، ويجب أن نسدد ضربة قوية ونخطو نحو كربلاء والاقتراب من محور ثورتنا.
للأسف الشديد أن العراق يندفع بخطوات متسارعة نحو تحقيق أهداف الثورة الخمينية. فالعراق الذي يحتل المرتبة التاسعة على قائمة أكبر 10 دول عالمياً في موارده الطبيعية، كان من المتوقع أن يكون اليوم أكبر دولة زراعية في منطقة الشرق الأوسط وأفضل دولة صناعية في عالمنا العربي، لكونه يحتوي على 11% من الاحتياطي العالمي للنفط و9% من الفوسفات و7% من الحديد والفحم والزئبق الأحمر والكبريت و5% من الذهب والفضة والنحاس واليورانيوم، التي تبلغ قيمتها الإجمالية بالأسعار الحالية أكثر من 16 تريليون دولار أميركي.
وبالرغم من امتلاك العراق لما يزيد على 140 مليار برميل من احتياطات النفط العالمي، ليأتي في المرتبة الخامسة بعد المملكة وفنزويلا وكندا وإيران، واحتواء أراضيه على أكثر من 3 تريليون متر مكعب من مخزون الغاز الطبيعي العالمي، ليحتل المرتبة التاسعة بعد روسيا وإيران وقطر والمملكة والإمارات وأميركا ونيجيريا وفنزويلا، إلا أن الشعب العراقي الشقيق يعاني اليوم من ارتفاع نسبة الفقر بشكل غير مسبوق فاقت 31% بالمحافظات الجنوبية والوسطى، وارتفعت إلى 42% بمحافظات صلاح الدين والأنبار والموصل، مما دعا منظمة الأمم المتحدة إلى تحذير العراق من مجاعة حقيقية قد تطال ما يقارب 5 ملايين شخص نتيجة التراجع الكبير في اقتصاده وتمادي فساد حكوماته.
جميع المنظمات الدولية تؤكد اليوم أن الاقتصاد العراقي يتجه نحو الإفلاس المادي والأخلاقي. فوفقاً لتقرير منظمة الشفافية العالمية الصادر في 15 يوليو 2015، تكبد العراق خلال العقد الماضي خسائر فادحة تفوق تريليون دولار أميركي، كان نصيب الفساد منها 100 مليار دولار، والباقي كان نتيجة الحروب والإرهاب والابتزاز. وخلال هذا العام جاء مؤشر السلام العالمي، الذي تضمن 170 دولة، ليدرج العراق في ذيل قائمة الدول مع سورية والصومال بسبب الفوضى والانفلات الأمني والأعمال الإرهابية والحروب الميليشية، بينما جاءت اليمن في المرتبة 161، وليبيا في المرتبة 166. وفي العام الجاري أيضاً أكد مؤشر هانلي العالمي لحرية السفر، الذي تضمن 162 دولة، أن العراق جاء مع باكستان وأفغانستان وإريتريا والسودان والصومال وسورية وليبيا واليمن في قاع دول العالم التي تعاني شعوبها من صعوبة الحصول على تأشيرات السفر وتسعى للهجرة غير الشرعية.
في الشهر الماضي أكدت رئيسة البعثة الأوروبية لشؤون اللاجئين أن الشعب العراقي يشكل أكبر عدد من طالبي اللجوء للاتحاد الأوروبي، لتفوق نسبتهم 43% في ألمانيا و13% في السويد و11% في بريطانيا. وتشمل هذه النسب الخبراء والعلماء والأطباء والمهندسين في مختلف المجالات.
وفي الأسبوع الماضي أعلن مجلس النواب العراقي أن ميزانية عام 2016 ستواجه عجزاً مالياً ضخماً يقدر بحوالى 40 مليار دولار أميركي، وهو ضعف العجز المالي الناتج عن ميزانية العام السابق. هذا في الوقت الذي أوقفت الحكومة العراقية 6 آلاف مشروع تنموي تابع للوزارات والمحافظات، بسبب ضعف التمويل وانخفاض أسعار النفط، وقررت ترشيد الإنفاق لحوالى 30% من المشاريع الأخرى، ما سينعكس سلباً على التنمية الاقتصادية ويتسبب في مشكلات اجتماعية أخرى مثل البطالة التي ارتفعت إلى 60% في القوة العاملة العراقية.
ولا شك أن خيبة أمل أجداد المالكي، لرسوب حفيدهم في دروس الحسقلة، تأكدت بعد تكبد الاقتصاد العراقي خسائر فادحة خلال فترة حكمه، تجاوزت 60% من عوائد النفط، و80% من الإنتاج الزراعي، و42% من المنتجات الصناعية. وهذا أدى بدوره إلى إقفال 33% من أبواب الشركات العراقية، وارتفاع نسبة البطالة إلى 41%، وازدياد عدد الفقراء بنسبة 250%، وتضاعف عدد الجرائم الأخلاقية بمعدل 430%.
لا شك أن ما يحدث في العراق من حراك سياسي وعسكري وتراجع اقتصادي واجتماعي، إنما هو انعكاس واقعي لسياسات إيران الطائفية وتصدير ثورتها الفاشلة من خلال الحكومات العراقية المتعاقبة، التي أثبتت خضوعها للعملية السياسية الإيرانية. لذا أصر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على توليه كافة المناصب السيادية، وسيطر على وزارتي الدفاع والداخلية، والاستخبارات، والمخابرات، والأمن الوطني، وهيمن على مقادير البنك المركزي، والمحكمة الاتحادية. ونجح في تحقيق إيران لأهدافها وأطماعها، وأسهم في تمكين الأحزاب السياسية الشيعية من الهيمنة والتحكم في الخيارات العراقية الإستراتيجية والسياسية.
وهكذا تتحقق سعادة إيران من شقاء العراق.