إنها الأشهر القليلة المتبقية من ولاية أوباما والتي تبدو نتائجها غير مشجعة، نظرا لآثارها المدمّرة على علاقات أميركا مع أصدقائها وحلفائها وعلى التوازن الدولي عموما

 أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن زيارته إلى المملكة العربية السعودية في أبريل القادم للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحضور قمة دول مجلس التعاون الخليجي في 21 أبريل في الرياض. وقد أوضح المتحدث باسم الرئاسة الأميركية أن هذه القمة الخليجية - الأميركية ستكون بمثابة عملية متابعة لقمة كامب ديفيد بين الرئيس الأميركي وقادة الخليج، على إثر الإعلان عن الاتفاق الأميركي - الإيراني الأخير الذي اعتبره الرئيس الأميركي بالحدث التاريخي.
جاء الإعلان عن هذه الزيارة مع إعلان الرئيس الروسي بوتين عن بدء انسحاب قواته العسكرية من سورية عشية البدء بمحادثات جنيف بين المعارضة السورية والنظام بإشراف المبعوث الأممي إلى سورية دي مستورا، وإعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن ترحيبه بهذه الخطوة والحديث عن تطور ما قد يطرأ على العلاقات الخليجية - الروسية على المستويات الاقتصادية وغيرها.
جاء الإعلان عن هذه الزيارة إبان زيارة رئيس مجلس النواب العراقي الجبوري إلى السعودية ولقائه في الرياض مع الملك سلمان، وذلك بعد الموقف العراقي الأخير في المجلس الوزاري لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، وما صدر عن وزير الخارجية العراقي من اتهامات للدول العربية ورعايتها الإرهاب، وعشية الأوضاع السياسية المأزومة في العراق بعد تعاظم التحركات المطالبة بمعاقبة الفاسدين من المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي.
جاء الإعلان عن هذه الزيارة عشية انتهاء مناورات رعد الشمال بين عشرين دولة عربية وإسلامية، ومواكبة الملوك والرؤساء والأمراء لهذه المناورات باجتماعات سياسية إستراتيجية غير مسبوقة بدقتها وموضوعاتها وظروفها، والحديث بشكل واضح عن المخاطر والتحديات والخلافات العربية - العربية وكذلك العربية - الإقليمية في أكثر من اتجاه، والتي كان من نتائجها حتى الآن انتخاب أحمد أبو الغيط أمينا عاما لجامعة الدول العربية، وكذلك استقبال مصر وفدا من حماس، وكلاهما تطوران ذوا دلالة على الحلحلة لبعض الخلافات العربية - العربية.
جاء الإعلان عن هذه الزيارة على أثر تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة، خصوصا بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي بايدن إلى إسرائيل، والتي كان من نتائجها إلغاء نتنياهو زيارته إلى واشنطن لحضور الاجتماع السنوي الآيباك، وكذلك إلغاء موعده مع الرئيس أوباما في 18 مارس. وكان الإلغاء عبر وسائل الإعلام مما يفسر حجم التأزم بين إدارة أوباما وإسرائيل التي أعلنت بعد مغادرة نائب الرئيس بايدن عن أكبر عملية احتلال للأراضي في القدس وبناء المستوطنات، مما استدعى رفض سريع من الولايات المتحدة لهذا الإجراء.
جاء الإعلان عن هذه الزيارة عشية التحدي الفاضح للولايات المتحدة الأميركية من قبل الحرس الإيراني، وذلك بإعلانه عن تجربة للصواريخ الباليستية المحظورة أميركيا، وفي ذلك تحدٍّ كبير لأوباما الذي يعتبر الاتفاق مع إيران من أهم إنجازاته السياسية، خصوصا أنه منذ بداية ولايته قد أعلن عن ثلاثة أهداف إستراتيجية بعد الانسحاب من العراق، وهي الاتفاق النووي مع إيران والمصالحة مع كوبا وحلّ الدولتين في فلسطين.
جاء الإعلان عن هذه الزيارة عشية التطورات العسكرية في اليمن وانهيار معسكر الانقلابيين الحوثيين وصالح وبدء عملية تحرير تعز، وكذلك الانقسامات في معسكر الحوثيين ودخول المساعدات السعودية إلى صعدة، والحديث عن اقتراب نهاية العمليات العسكرية الكبرى للتحالف العربي في اليمن.
لا أحد يستطيع أن يحدّد كيف ستكون الأوضاع في المنطقة والعالم في 21 أبريل القادم، وما التطورات السياسية والعسكرية التي سنشاهدها. لذلك أردنا أن نبين حجم تطورات المنطقة في يوم واحد من خلال الحديث عن تزامن الإعلان عن الزيارة مع كمّ كبير من التطورات التي ذكرنا قليلها الآن، في ظل سياسة أوباما الانكفائية على قاعدة الخطأ الأميركي في احتلال وتفكيك العراق، وبناء على تقرير بيكر- هاملتون عام 2007 الذي وحّد نظرة الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول خطأ احتلال العراق.
إنها الأشهر القليلة المتبقية من ولاية أوباما، والتي تبدو نتائجها غير مشجّعة، نظرا لآثارها المدمّرة على علاقات أميركا مع أصدقائها وحلفائها وعلى التوازن الدولي عموما. وهناك أحاديث بدأت تظهر في الإعلام الأميركي عن أن أكلاف سياسة الانكفاء الأميركية قد تفوق أكلاف سياسة التدخل الأميركي في العراق وغير العراق، وأن النزاعات التي تعاظمت إلى حدّ كبير أصبحت تطال أوروبا وغيرها من الدول الكبرى الحليفة لأميركا.
يراجع الرئيس الأميركي أوباما عهده الذي امتد لولايتين رئاسيتين بالمقارنة مع الرؤساء الديمقراطيين التاريخيين في أميركا أمثال كارتر الذي أنجز اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، والرئيس كلينتون الذي أنجز اتفاق أوسلو بين أبوعمّار ورابين. والواضح حتى الآن هو أن الرئيس أوباما قد أثبت أنه ليس رجل حرب وربما أيضا ليس رجل سلام.