خلال الشهرين الماضيين من بدء هذا العام الجديد، توالت أحداث كثيرة، حتى وكأنها لكثرتها قد وقعت في سنين، ليست ستين يوما فحسب، والحقيقة أن الأخبار الموجعة صارت تأتي بشكل يومي. قبل خمسة عشر عاما، كان يمر الشهر والاثنان والستة، والناس مشغولون بداهية واحدة أو اثنتين، أما في هذا الزمن الوحشي بامتياز، فقد صار ما يحدث في الليل ينسيك فظاعة ما حدث صباحا، وقنبلة اليوم تمحو دويّ أختها بالأمس، وملامح الجثث وعددها هذا الأسبوع، يحل محل مثيلاتها في الأسبوع الماضي، يزيد الرقم أو ينقص فحسب، والكاتب الذي يحاكم هذا الشهر، ينسيك كاتبا في الشهر الفائت، أما الوعود وتصريحات الحلول والكذب والخيبات المؤسفة فتكبر على مدار الساعة.
نحن في السعودية أيضا لسنا ببعيدين عن هذه الإثارة النارية، لدينا نصيبنا أيضا من كل ما سبق، وفي هذا الزحام على باب المسلخ اليومي، صارت الأخبار الجيدة تتراءى من بعيد، لا تأخذ نصيبها من اهتمام الجميع، لا المسؤولون، باختلاف مواقعهم وأعمالهم، ولا الإعلام ولا المواطنون لديهم الحماسة الكافية للانتباه إلى الوميض المشرق، فضلا عن مكافأته ورعايته، لا وقت لغير التحذيرات والضوء الأحمر الفاقع.
خبر عن الدكتورة غادة المطيري وإنجازها البارع في الجراحة، والعالم يعتبره فتحا، لكنه لدينا يستغرق فقط إشارة أو حوارا صغيرا، مع بضع كلمات في صحيفة هنا أو هناك.
الدكتورة حياة سندي أيضا اختيرت من الأمين العام للأمم المتحدة في فريق تحويل عالمنا ضمن عشرة أشخاص على مستوى العالم، وحدث الشيء نفسه. الشاعر علي الحازمي فاز بجائزة دولية في الأروجواي، والشيء نفسه، وقبل أيام فاز فيلم بركة يقابل بركة لكاتبه ومخرجه الأستاذ محمود صباغ بجائزة مهمة في مهرجان برلين، كأول فيلم طويل، ولا بد من كتابة مستقلة عنه، وكذلك يمضي حدث كهذا، باستثناء أخبار على هيئة قصاصات في جريدة، أو دقيقة عابرة في محطة فضائية، تلاحق الدم والأشلاء من نشرة لأخرى.
هذه الأخبار الرائعة –وهي على سبيل المثال- جميعها كانت في الشهرين الماضيين، وأسردها لأنني أحد الذين غمّ على نفوسهم تراكم الأنباء السيئة، محليا وعربيا وفي كل بلاد الله، وأشير إلى الإعلام قبل أي أحد؛ أنه يلزمه أن يحتفظ في هياجه هذا بمكان مؤثر وعناية أفضل. على هؤلاء الذين يجلدوننا ليل نهار بالنكد والهموم، ومخاوف المستقبل والقلق، هؤلاء الذين يجيدون ترك الحرقة في قلوبنا، أن يهتموا أيضا بشيء آخر، شيء اسمه الأمل.