الشيعي العربي، هو في الأول والأخير، نتاج للتاريخ والتراث الديني المذهبي العربي، وجميع أئمته عرب أقحاح، وجميع مقدساته تحتضنها أراضيه العربية الطاهرة، وكتبه الدينية عربية بحتة
الجميع يعلم، كحقيقة تاريخية، لا نقاش أو جدال حولها، بأن الإسلام دين عالمي؛ ولكن نزل على العرب، وعلى نبي عربي، وبلسان عربي ولعرب الجزيرة العربية ابتداء. وكان عرب الجزيرة -خاصة القرشيين والأنصار وعاضدتهم معظم إن لم نقل جميع القبائل- هم من ثبت دعائم الإسلام ورعاه ونشره، كرسالة خالدة للعالمين شرفهم الله بها. وأول من حفظ تعاليم وأدبيات الإسلام، هم العرب؛ وأتى ليسهم معهم، وبشكل طاغ وملحوظ، علماء الإسلام من العجم والقوميات غير العربية، مما يدلل على عالمية الإسلام وسماحته.
الإسلام مثله مثل أي دين، رحب، سمح، ومفتوح، تخرج منه اجتهادات ظرفية وطارئة، تتحول مع الوقت لمذاهب ومدارس؛ كلها تعبر عن روح الدين وأصوله، ولو اختلفت في فروعه وحواشيه. بداية التمذهب في الإسلام بدأت باكرا أيام الخلافة الراشدة، خاصة خلال وبعد فترة الفتنة الكبرى التي بدأت في منتصف عهد الخليفة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وفترة حكم الخليفة علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه. الفتنة، خلاف ثم اختلاف ثم حراب يقع بين جماعة واحدة، تتحول إلى جماعات، كل جماعة لها رأيها واجتهادها السياسي في رؤية ما هو أفضل وأصلح للجماعة، حسب أصول ومبادئ وألويات عقيدة الجماعة.
ونتاج للفتنة الكبرى انقسم المسلمون إلى 3 فرق سياسية، لكل فرقة موقفها السياسي المخالف والمضاد للآخر، وهم من شايعوا عليًّا، وسموا بالشيعة ومن خرج على علي وسموا بالخوارج، ومن تبع معاوية بن أبي سفيان الذي نجح في انتزاع الخلافة له، ومن بعده أبناؤه، الأمويون، وسموا لاحقا بالسنة.
الفرقتان شيعة علي، الذين عرفوا لاحقا بالشيعة، والخوارج، لم تستسلما لحكم الأمويين، وعملا كمعارضة سياسية، وحتى عسكرية في بعض الأحيان. فحاربتهما الدولة الأموية وتحولوا إلى معارضة تحت الأرض، تظهر تارة وتختفي تارات. وكان من أبرز أدوات حرب الدولة الأموية لهاتين الفرقتين المعارضتين لها؛ الطعن في إسلامهما، واللذين بدورهما طعنتا في إسلام الأمويين. هنا تحول الخلاف بين المسلمين من خلاف سياسي إلى اختلاف عقدي. وأصبحت كل فرقة منها، ترجع لأصول الإسلام القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، لإثبات صحة عقيدتها. وهكذا تحول الخلاف السياسي إلى اختلاف عقدي، مع تمسك كل فرقة بثوابت الدين الإسلامي وأركانه الخمسة، واختلفوا في الاجتهاد حول بعضها. إذاً، فقد نشأ الإسلام عربيا، وأنقسم إلى 3 فرق السنة والشيعة والخوارج عن طريق العرب أنفسهم، لا عن طريق غيرهم، ثم لحقت بهم القوميات غير العربية، والتي دخلت الإسلام، كأتباع لا كمؤسسين لأي من المذاهب الثلاثة، ولا حتى مشاركين في تكوين أي من الأصول العقدية لأي منها.
طبعا، الاختلاف العقدي أدى إلى الحاجة لخلق مذاهب فقهية، تتلاءم معها، مع كون القرآن والسنة النبوية المطهرة هما أساس اشتقاق المنظومة الفقهية للمذاهب الثلاثة. وقد اكتملت المنظومات الفقهية والعقدية لهذه المذاهب الثلاثة في القرنين الثاني والثالث الهجريين. وفي هذه الفترة المبكرة للمذاهب كان معظم علماء هذه المذاهب من العرب، وليسوا من الفرس ولا من الروم، والذين أسهموا لاحقا في تأليف الكتب والمجلدات عن عقيدة وفقه هذه المذاهب، حسبما رسمه وحدده العلماء العرب من قبلهم. وخرج من كل مذهب من هذه المذاهب الثلاثة عدد من المذاهب؛ لكل منها اجتهاداته الفقهية والعقدية التي تعتمد على أصول عقيدة وفقه المذهب المؤسس؛ ولكن تختلف في اجتهاداتها حوله. وهنا تحول كل مذهب إلى مذاهب، قد تختلف في بعض الحالات بينها في المذهب الواحد؛ أكثر من اختلافها مع المذهبين الآخرين.
إذاً، فكما بينا أعلاه، بأن المذاهب الإسلامية الثلاثة، السنية والشيعية والخارجية؛ هي مذاهب عربية صرفة، انبثقت وترعرعت في الأرض العربية وبالعرب وللعرب، وعبرت عن حالات وأمزجة عربية صرفة، وهذه حقيقة لا جدال أو نقاش حولها. إن من يدعي أن أي من المذاهب الإسلامية الثلاثة هو غير عربي النشأة والتأثير، يجافي الواقع والحقائق التاريخية التي لا تحتمل الجدال حولها، خاصة عندما نسمع ما يردد هذه الأيام، أن المذهب الشيعي هو مذهب ذو نشأة وصبغة فارسية، فهذا إجحاف بحق العرب، قبل أن يكون إجحافا بحق الشيعة في العالم أجمع.
خاصة عندما نعلم أن الشعب الإيراني، أو لنقل الفارسي، منذ دخول الإسلام إليهم كانوا سنة أقحاحا، ومن أهل السنة والجماعة، وأسهم علماؤهم في إغناء وإثراء المذهب السني فقها وعقيدة، وحتى فكرا وفلسفة، ولمدة 10 قرون كاملة. أي بأن التشيع لم يدخل إيران إلا في القرن العاشر الهجري، على يد إسماعيل الصفوي، والذي فرض التشيع على الفرس بقوة السيف والإرهاب. ومن المعروف بأن الصفوي ليس بفارسي كذلك، وإنما تركماني، وإن من ساعده على نشر التشيع في إيران هم علماء شيعة عرب، وليسوا فرسا.
إذاً، فالشيعي العربي لا يتهم بانتمائه العقدي لأي مكان غير الأرض العربية، حيث هم وبلا جدل أحفاد من شايعوا علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وابنيه الحسن والحسين، سبطي رسول الله وسيدي شباب أهل الجنة، ومن بعدهما أبناؤهما الذين أصبحوا أئمة للمذهب الشيعي، بكل تفريعاته الجعفرية والإسماعيلية والزيدية. الشيعي العربي هو في الأول والأخير نتاج للتاريخ والتراث الديني المذهبي العربي، وجميع أئمته عرب أقحاح، قرشيون، وجميع مقدساته تحتضنها أراضيه العربية الطاهرة، وكتبه الدينية عربية بحتة، كتبها عرب لا خلاف على عروبتهم وانتمائهم لأمتهم وأرضهم.
الشيعي الفارسي هو المتهم بتخليه عن فارسيته وتمسكه بمذهبه الشيعي العربي النشأة والتكوين والتمدد، حيث جميع أئمته عرب أقحاح، وجميع مقدساته تحتضنها أراض عربية من مكة والمدينة حتى كربلاء والنجف، ويغادر دوما أراضيه ليحج إليها. سادتهم من نسل عربي قح، وامتداد تاريخهم الديني وكذلك المذهبي هو تاريخ عربي لا جدال أو نقاش حوله. لا يمكن أن يكون العالم الديني الفارسي دون أن يعرف اللغة العربية تحدثا وقراءة وكتابة؛ ويفقه في تاريخ التراث العربي.
قد نختلف مع الدولة الإيرانية لأنها خطر على أمننا وسلامتنا، كعرب وخليجيين، وهذا قد يحصل مع أي دولة أخرى غيرها، ولكن أن نتهم الشعب الإيراني المسلم الصديق بالكيد للعرب والإسلام عبر تاريخه الطويل؛ فهذا لا يليق بنا. وأشنع من ذلك، من ينسب الشيعة العرب للفرس وإيران، حيث يقدم خدمة عظيمة للحكومة الإيرانية، ليهديها 10 قرون من تاريخنا الثقافي والسياسي الغني والثري على طبق من ذهب. وهذا نوع من السذاجة يجب الإقلاع عنه فورا، حبا ووفاء لعروبتنا وديننا وتاريخنا، وخجلا وحياء من أهلنا بالدم والتراب والوطنية والتاريخ، الشيعة العرب.
وعليه فلا يجب أن يبحث أصحاب كل مذهب عن مثالب وهمية للمذاهب الأخرى، فكلها من الإسلام، إلا إذا كنا نريد الفجر في الخصومة.