الحزبيون يستخدمون دينهم لمصلحة أحزابهم، فصارت مواقفهم من الدين انتقائية، يؤمنون ببعض الكتاب ويتجنبون بعضه، حسبما تمليه مصلحة وليّهم 'الحزب'

 إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ الأنعام.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. الروم.
الحزب في اللغة هم الجماعة، يجتمعون على رأي قائدهم ويتعصبون له، ومثله شيعة فهم كل قوم اجتمعوا على رأي وغاية.
أما في القرآن الكريم فترد مفردة حزب وصفا للمؤمنين المخلصين دينهم لله تعالى وحده وهم المفلحون، وإن لم يجمعهم مكان واحد وزمان واحد. وضدهم حزب الشيطان وهم الخاسرون.
لكن القرآن الكريم يستخدم، وبشكل لافت للانتباه، مفردة أحزاب في وصف فئات أخرى هم أولئك الذين فرقوا دين الله واستخدموه لمصالحهم، وحرّفوا فيه ليتوافق مع غاياتهم.
ويشير الله تعالى في سورة المؤمنون إلى كثير من أتباع موسى وعيسى عليهما السلام: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ. يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ.
ويذكر الله بعدهم حزبه الحنفاء المخلصين دينهم لله: الَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ.َالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ.
وفي سورة مريم يطلق صفة الأحزاب على الذين حرّفوا واختلفوا: وأن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم، فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ويرد المعنى بالألفاظ نفسها تقريبا في سورة الزخرف. وفي سورة الرعد: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ، قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ، إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ.
فالأحزاب هم أصلا من أهل الكتاب، لكن دينهم لم يعد خالصا لله، بل اجتمعوا على مصالح أجبرتهم على إنكار بعض الكتاب، وعلى تفريق دينهم واستخدامه لمآرب سياسية واجتماعية وشخصية، وكل ذلك، حسبما ورد في القرآن الكريم، شِرك بالله تعالى.
وهذا التهديد ليس لأنهم كوّنوا أحزابا، بل لأنهم استخدموا دينهم لمصلحة هذه الأحزاب، وصارت مواقفهم من الدين انتقائية، يؤمنون ببعض الكتاب ويتجنبون بعضه، حسبما تمليه مصلحة وليّهم الحزب.
وبما أن الدين للأفراد وليس للجماعات وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه..، فإن الدين الخالص لله يُلزم صاحبه بالوقوف مع الحق أينما كان، وضد الباطل من أيٍّ كان، ليس لوجه السياسة والمصلحة الحزبية، وإنما لوجه الله وحده.
في السياسة، لكل حزب، بما في ذلك الأحزاب السياسية التي تدعي أنها مؤسسة على الدين، ضوابطه الملزمة لا تسمح لأعضائه بالخروج عنها، فالعضو في اصطفاف دائم مع مواقف حزبه، حتى لو تعارضت مع قناعاته الشخصية، أو تعارضت مع ما هو حق.
بعبارة أخرى، فإن الحزب هو وليّه الأقرب من دون الله تعالى، حتى لو ادّعى أنه يفعل ذلك تقربا لله أو لأجل تمكين المسلمين وخدمة الإسلام وكل يدّعي وصلا بليلى.
والشواهد ماثلة أمامنا، فكل تنظيمات طيف الإسلام السياسي/ السني والشيعي، كلهم يدّعون الدعوى نفسها، ويذيق الله بعضهم بأس بعض في قتال مرير مستمر نشهده كل يوم.
وأختم بقوله تعالى في مطالع سورة الزمر: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ،إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ.