يعد ترشيح السناتور دونالد ترامب لانتخابات الرئاسة الأميركية فصلا من أكثر فصول السياسة الأميركية غرابة. إنه مسرح اللامعقول، إذ المضمون ليس بأهمية الحدث.
فمنذ الأيام الأولى لترشيح الجمهوريين له، فشل المحللون في فهم ترامب، بل إنه اتخذ مواقف مغايرة للمواقف التقليدية للحزب الجمهوري حيال كثير من القضايا المهمة، كالإجهاض والهجرة والرعاية الصحية. وجد بعض المحللين من المتعذّر عليهم اكتشاف المنطق الخفي وراء بعض تصريحاته الغريبة.
وأخطأ الخبراء الذين قارنوا جاذبية ترامب لدى الجمهوريين بجاذبية بيرني ساندرز لدى الديموقراطيين.
فالناخبون الشباب يرون في ساندرز المصداقية والاستقامة، أما المعجبون بترامب فيرون فيه تبجح المتحدي وشجاعة الثور في محل الخزف.
لقد كذب ترامب حول حياته الشخصية، وحول تعاملاته التجارية، وحول المواقف التي اتخذها والأشياء التي فعلها. ويدرك أنصاره ذلك، لكنهم لا يلقون لذلك بالا، إنهم ساخطون وهو يغذّي سخطهم.
ولا تعود جاذبية ترامب لدى جمهور الناخبين إلى التزامه الأرثوذوكسي أو استقامته أو وضوح رؤيته أو صدقه، بل إلى أدائه. إذ إن رؤية أحد تجمعات ترامب الانتخابية هو أشبه بحضور مباراة للمصارعة الحرة.
وتذكرني أمور ترامب بمقالة نشرتها مجلة فوربس الأميركية عام 2014 حول فينس ماكماهون، الملياردير الذي ينظم حلبات المصارعة، مفاده أن لا مكان للذكاء في حلبات المصارعة، فإما أن تلعب لإسعاد الجمهور في الحلبة وعلى شاشة التلفزيون، وإما أن تعود إلى بيتك.
وربما يكون ذلك أدق وصف لعلاقة مؤسسة الحزب الجمهوري مع جماهير حزب الشاي. لقد خلقت هذه المؤسسة الوحش وغذّته ولكن -في النهاية- عجزت عن ترويضه.
ولكن مع حلول عام 2016، لم يعد بوسع هذه المؤسسة إشباع نهم هذا الوحش الذي ابتدعته. وحين لم يعد الوحش ملتزما بقواعد اللعبة مع المؤسسة، انقلب الوحش عليها، وأخذ يبحث عن إشباع جوعه من مصادر أخرى.
بدأ ترامب يمارس لعبة المصارع في الحلبة، ويقدم للجمهور ما يحب أن يراه ويسمعه. فهو الملياردير الناجح، وله زوجة جميلة، أو سلسلة من الزوجات الجميلات. ورغم نجاحه، ينفث غضبه لانهيار أميركا، ويعد الجمهور بإعادتها إلى مجدها! ويلجأ إلى مخاطبة الغرائز البدائية لهم.
وفي سياق ذلك، يحط من قدر خصومه، ويرسم العالم كمحورين أحدهما أبيض والآخر أسود، ويثير مشاعر الكراهية للأجانب، والتعصب ضد المكسيكيين والمسلمين، ويهدد بلكم من يقاطع خطابه. إنه الوحش الذي تغذيه صرخات الإعجاب والتأييد من جمهور الحاضرين، ويبدو سعيدا بذلك.
والخطر الذي يمثله ترامب اليوم، ليس فقط في أنه غير متناغم أو غير حقيقي أو أنه يفتقر إلى فلسفة متجانسة، بل في أنه تعبير عن حالة الوضع السياسي الأميركي، وفي أنه يمثل بطل تلفزيون الواقع الذي لا شأن له بالسياسة، بل اللعب على أوتار الغضب.
فهو ليس جمهوريا ولا محافظا، ولا يهمه شيء في ذلك ولا لأنصاره. إنه فاشي ناشئ، يستخدم فن الأداء لحشد روح الوحش في الرأي العام الذي ربما يفترسنا جميعا.