هناك ورود لا تلبث إلا وقتا وتمضي للفناء، وهناك ورود يخلدها التاريخ لأنها صنعت من حرف وفكر وسوت بحكايات كثيرة وتلك كانت رواية اسم الوردة للفيلسوف الإيطالي والناقد الروائي أمبرتو إيكو، الوردة التي بقيت ورحل هو عن عالمنا قبل أيام. اسم الوردة ليس مجرد رواية، بل هو إرث عظيم لرواية استثنائية بيع منها أكثر من 30 مليون نسخة وتمت ترجمتها إلي 44 لغة أجنبية. وهذا كاف لتخليد وردة إيكو.
لم يكن إيكو روائيا، بل كانت له فلسفة عميقة في نظرية التأويل وله فلسفته الخاصة في الكتابة كنمط حياة، معبرا بأنه يكتب لحب الكتابة: أكتب لأنني أحب أن أكتب. والكتاب هي عشيقة تعيش معكم دون أن يعلم أحد شيئا. إنه سركم الصغير. إننا نتألم في البداية لأننا لا نعرف من أين نبدأ، ونتألم في الوسط لأننا لا نعرف كيف نجعل الحكاية تتقدم، ولكن ذلك يصبح متعة حقيقية.
وحين ينتهي الكتاب لن تبقى إلا الحوارات وهي بالنسبة لي عبارة عن مأتم.
لم يمجد إيكو الحياة المادية معبرا عن أنها ليست إلا سياقات مغرية لسلب الإنسان قيمته المحسوسة وحضوره، وانتصر إيكو على طريقته للجمال والفكر والإنسان والكتابة: نحن نواجه خطر الكثرة وانتصار المكتوب. ويعادل إيكو الإفراط بالتسارع المعلوماتي بالضجيج العدمي الذي أربك البشرية في أوج تقدمها المعلوماتي.
في الواقع الإفراط في المعلومات يعادل الضجيج.
وقد فهمت السلطة السياسية في بلداننا ذلك جيدا، فلم تعد الرقابة تمارس عبر الاحتجاز أو الإقصاء، وإنما عبر الإفراط، إذ يكفي اليوم لتدمير خبر إرسال خبر آخر خلفه تماما وبهذا تستمر الدائرة في التوسع وابتلاع، يسهم في ذلك أنها مأساة، هكذا يبدو الانتصار للأجمل عند إيكو.
المزيد من البشر والحياة.
يتساءل إيكو: ماذا سيحدث حين تصبح الذاكرة الإنسانية بأكملها محفوظة في الحاسوب؟.
إن بيبليوجرافيا تحتوي على عشرين عنوانا هي مفيدة جدا ما دام الإنسان سيستبقي منها في النهاية ثلاثة كتب يقرؤها. لكن ماذا نفعل ببيبليوجرافيا تحتوي على 10000 عنوان تظهر بمجرد الضغط على زر بجهاز الكمبيوتر؟.
أنلقي بها في سلة المهملات! وبنفس الطريقة تقتل النسخ الإلكتروني القراءة، وبالتالي المعرفة. في الماضي كنت أذهب إلى المكتبة وآخذ ملاحظات حول الكتب التي تهمني، والآن صرت سعيدا جدا بأن أحمل معي إلى المنزل هذا المخزون من المعرفة الذي قمت بنسخه إلكترونيا -لأنه سهل- لدرجة أنني لا أقوم حتى بفتحه.
إن أشكال تدمير الإنسان لنفسه تتغير عبر العصور وأنا لست مجبرا على إصدار حكم على ذلك. إذ إنني أكتفي بالنظر.