أخذت المرجئة والقدرية والجبرية أسماءها من فكرة واحدة ضمن أفكارها، تتعلق بسيطرة الإنسان على فعله، وبالتالي مسؤوليته عنها في الدنيا والآخرة، بينما أخذت المعتزلة اسمها من سلوك مؤسسها، أما معظم المذاهب والفرق الإسلامية، فقد أخذت أسماءها من أسماء أصحابها غالبا، قديما وحديثا، كالمالكية، الحنفية، الأشعرية، القطبية، السرورية، الجامية، والجهمية، وهكذا إلا فيما ندر مثل الإخوان المسلمون التي سمّاها مؤسسها بهذا الاسم في لحظة تطلع سياسي، هذا إذا تجاوزنا التقسيم الطائفي الكبير بين سنة وشيعة، والذي قام على أسباب سياسية، مثل كل التقسيمات الصغيرة التي تلته وتفرعت عنه، ولأنه لكل فرقة إمامُها ولها أيضا أئمة يأتون بعده، فقد ازدحم تاريخنا بالشتات وبمئات الأئمة من آيات الله وحجج الله وشيوخ الإسلام، ويحدث أن يكون للفرقة الواحدة أكثر من اسم باختيار أصحابها أو يطلقه عليه خصومها.
إن خلافاتنا تأخذ قوتها واسمها واعتمادها على الأشخاص لا على الأفكار، حدث هذا في الماضي وما زال مستمرا حتى اليوم، رغم الإضافات التي فرضها الاحتكاك بثقافات أخرى.
اليوم نتداول، في بلادنا، تسميات جديدة نصف بها خصومنا، كالعادة التسمية يتبرع بها الخصوم. فكل يصوغ لخصمه الأسماء على هواه كالليبرالية، التغريبية، والليبروجامية.
قبل شهر نشرت على صفحتي في فيسبوك منشورا عن كلبتي سيلفي وكلبي سِحْس بمناسبة ولادة سيلفي خمسة جراء، قلت فيه إن سيلفي تزاوجت في موسم تزاوج الكلاب مع سحس ومع كلبين آخرين. كانت تمارس التزاوج معهما خارج حدود المزرعة، لأن سحس كان يرفض دخولهما داخل المزرعة لأنهما غريبان.
وصف بعض المتداخلين سحس بأنه متحرر، ووصفه بعضهم بأنه ليبرالي، لأنه تغاضى عن سلوك سيلفي، وسمح لها بممارسة الغريزة مع كلاب سواه!
هكذا يفهم كثيرون بيننا معنى الحرية والليبرالية، بل هذا ما يقصدونه عندما يصفون خصومهم بالتحرر أو بالليبرالية، فالفهم كله يدور حول ممارسة الغريزة كالكلاب، ولا يريدون معرفة الحدود الدنيا للمصطلحات التي يتنابزون بها مع شركائهم في الدين والوطن.
أعتقد أن لدينا أزمة في تناول المعرفة، وفي مواجهة المصطلحات. أزمة أخلاقية، فلا نحن قادرون على وصف خصومنا إلا بما هو جاهز، وحسب فهمنا الجنسي، ولا نحن نريد وصف نفوسنا، فنحن، ونحن فقط، المسلمون الحقيقيون الذين يسيرون على هدي الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، وخصومنا هم كل من ليس مثلنا، وفي كل مناوشاتنا يغيب الجامع المشترك وهو السعوديون، يغيب الوطن.
من جهة ثانية، فإن أوصافا مثل ليبرالي، علماني، تغريبي، وهي عندنا لها معنى واحد، لا تجد ما يقابلها داخل لغتنا، فمثلا لا يمكن للمتهم بأنه تغريبي أن يصف خصمه بأنه تشريقي، وكذلك لا مقابل في لغتنا للعلماني والليبرالي.
إن خلافاتنا الفكرية ليست خلافات مثمرة، ولا هي خلافات رحمة، هي خلافات على الآخرة، من الذي يستند إلى التعاليم الإلهية؟ ومن الذي يستند إلى النزوات الشيطانية؟ من يدخل الجنة أو لا يدخل؟
إننا لا نعرف كيف نصف خلافاتنا وكيف نسمّيها، وكل ما نفعله هو تصنيف وضرب أمثال. كل منا يضرب الأمثال لخصمه ويحاورها، فأنت سروري وأنت جامي، وأنت ليبرالي، وأنت تغريبي، وأنت داعشي، أما أنا فأنا سلفيّ على الكتاب وسنة النبيّ وفهم السلف الصالح!