صرّح رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في ميونخ بأن روسيا لا تنوي إنهاء حملة القصف التي تشنها ضد الثوار السوريين. وفي مقابلة حصرية أجراها مع صحيفة التايمز البريطانية أضاف أنهم جميعاً قطّاع طرق وإرهابيون. وفي وقت سابق، في 11 فبراير، أبلغ نائب وزير الخارجية الروسي، أوليج سيرومولوتوف، وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء بأن الكرملين سيعتبر أي محاولات من جانب قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لإنشاء مناطق آمنة على الحدود التركية السورية، من دون موافقة الأمم المتحدة والرئيس السوري بشار الأسد، بمثابة تدخل عسكري مباشر.
ولم يكن هذا البيان مفاجئاً، فخلال فترة دامت أكثر من عقد من الزمن، روّجت الحكومة الروسية للفكرة القائلة بأن الغرب ينسِّق لتغيير النظام تحت ستار الأهداف الإنسانية. وفي سورية، سيفسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي محاولات لإنشاء مناطق آمنة، أو ما يشابهها، على أنها ذريعة لتغيير النظام تستهدف ما يسميها بـحكومة الأسد الشرعية، وكان الأسد قد أعلن في الأسبوع الثالث من فبراير بأن قواته ستستعيد كافة الأراضي السورية في نهاية المطاف.
وبالتالي، إذا قرر الغرب إنشاء مناطق آمنة في سورية، فمن شبه المؤكد أن تطلب موسكو اتخاذ قرار من مجلس الأمن الدولي لضمان الفيتو الروسي، وربما الصيني، على أي إجراء، وتواجد ثغرات كافية في أي قرار للسماح لموسكو والأسد بمواصلة تدمير أي معارضة للنظام السوري، إلى أن لا يتبقى سوى تنظيمي داعش والقاعدة.
وفي الواقع، من شأن المناطق الآمنة أن تحد من الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتمنع التدفقات الكبيرة للاجئين المزعزعة للاستقرار من اكتساح تركيا وأوروبا. كما ستساعد في مكافحة تنظيم داعش وتعزيز الموقف الغربي في سورية، مما سيحقق توازناً مع التحالف الروسي الإيراني.
ولإنشاء مناطق آمنة وصالحة للحياة في سورية، من المرجَّح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى استخدام مناطق حظر جوي تتحدى الدفاعات الجوية الروسية وتضمن رصد واشنطن وحلفائها لجميع المعابر المؤدية إلى المناطق. كما ستحتاج واشنطن إلى حملات على الإنترنت وأخرى إعلامية مكثفة تستهدف الإجراءات التي يقوم بها نظام الأسد والتي تؤجج أزمة المهاجرين، وتواجه جهود التضليل الروسية الهادفة إلى التأثير على الرأي العام الدولي. ويكمُن المفتاح في هذه الجهود في الشرح للجماهير المحلية والدولية السبب الذي يجعل المناطق الآمنة ضرورية لوقف تدفق المهاجرين السوريين شمالاً ولضمان الأمن الأوروبي.
في سورية، من المرجح أن تطلق موسكو حملة تضليل مماثلة حول المناطق الآمنة، وذلك لإرباك الجماهير المحلية والدولية وزرع الشكوك. وكما هو الحال في أوكرانيا، من المرجح أن تسعى موسكو إلى التماس السبل الكفيلة بجعل الغرب يبدو عدوانياً.
إن وسائل الإعلام التي يرعاها الكرملين ممولة جيداً وتقدِّم دائماً موقفاً واضحاً وجريئاً، بل مشوهاً. وفي الوقت نفسه، يميل الغرب إلى الإكثار في الكلام، وغالباً ما يفشل في إبراز نجاحاته ولا يستثمر ما يكفي من الموارد في مواجهة الأفكار التي يروِّج لها الكرملين. من دون استثمار مماثل، ومن دون وضوح أخلاقي واستراتيجي، فإن جهود الغرب للتعامل مع الأزمة السورية ستستمر في التعثر.