إذا أراد أي شخص أن يفهم الوضع المخزي في أفغانستان، من عمليات القتل وقطع الرؤوس وسبي النساء، فإن عليه الإطلاع على تقرير الأمم المتحدة الصادر في كابول، المكون من 87 صفحة، والذي يرصد حقائق مرعبة عما تقوم به داعش في أفغانستان، إذ بلغ عدد الضحايا من المدنيين العام الماضي رقما قياسيا جديدا لم تشهده البلاد في أي عام سابق.
تشير أرقام عام 2015 إلى مقتل 3545 مدنيا، إضافة إلى إصابة 7457، ليصل بذلك إجمالي أعداد الضحايا من المدنيين منذ 2009 غير العسكريين أو المنتمين إلى ميليشيات أو تنظيمات إلى 21323 قتيلا.
لهذا، يجب ألا يغيب المشهد الأفغاني عن تصور المجتمع العالمي، خصوصا أنها منبع لتكوُّن كثير من المجموعات الإرهابية.
لقد أدت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان دورها باحترافية،
واستطاعت رصد ما يحدث، والتحدث مع شهود عيان ليخرج التقرير الأخير لها وقد جمع كثيرا من الشهادات والاقتباسات من ضحايا تلك الحرب المستمرة في البلاد.
وفق تقرير الأمم المتحدة، فإن 62 % من القتلى والمصابين سقطوا بنيران عناصر مناهضة للحكومة، إذ سقط 17 % نتيجة اعتداءات قوات موالية، بينما وصلت نسبة ضحايا قوات الأمن القومي التي تلقت تدريبا أميركيا إلى 14 %.
إن ما يحدث في أفغانستان لا يختلف كثيرا عما يحدث في سورية والعراق، إذ تم رصد كثير من الهجمات المتعمدة على المستشفيات والعيادات ومراكز الرعاية الطبية، كما أصبح الصراع ممتدا حاليا بين حركة طالبان وتنظيم داعش، إضافة إلى صراعات مسلحة أخرى بين ميليشيات موالية للحكومة مع بعضها بعضا، مع تأكيد تقرير الأمم المتحدة على عدم احترام أي طرف من أطراف هذا الصراع حقوق الإنسان أو حياة المدنيين.
وإنني أرى أن الصراع في أفغانستان -بين طالبان وداعش تحديدا- ليس بشأن الدين أو الموقف من الحكومة على الإطلاق، بل إن الأمر يشبه حروب المافيا التي تهدف إلى فرض السيطرة على الأرض.
وأعتقد أن الوقود الرئيسي لهذا الصراع المشتعل، هو تلك المليارات التي تضخ من الخارج لتمويل جهات مختلفة في هذا البلد الفقير منذ 2001.
روى لي أحد الأفغان قصة طريفة عن مدرب عسكري أميركي يقوم بتدريب طلاب الجيش الأفغاني على استخدام البنادق الآلية، إلا أن الطريف في الأمر هو أن الطلاب كانوا يجيدون استخدامها بشكل أفضل من مدربهم الأميركي، لقد تربى هؤلاء على استخدام تلك الأسلحة.
في الواقع، لم يعكس تقرير الأمم المتحدة سوى قصة قديمة معلومة للجميع عن المعاناة التي يمر بها ذلك البلد الذي كنا نرغب في إنقاذه منذ 15 سنة.