يعتبر الإعلام في العصر الحاضر قوة لا يستهان بها، إذ إنها تتجاوز أحيانا بتأثيرها بعض الحالات والظروف لتكون أشدّ فتكاً من الأسلحة عندما تغزو كلاًّ من الأفراد أو الجماعات الذين تستهدفهم هذه القنوات، وإذا كان دور الإعلام لا ينكر في لحظات يحتاجها الوطن للتوعية وتبصير الناس بالتنمية لكنها مطلب رئيسي في وقت الأزمات، خصوصا هذه الأيام، فقد عقدت أكاديمية نايف قبل أيام مضت ندوة تخصيصة جمعت بين الأمنيين والإعلاميين في تحاور صريح كان قمة هرمه مدير عام المباحث العامة الفريق أول عبدالعزيز الهويريني نيابة عن أمير الأمن ولي العهد الأمير محمد بن نايف، الذي يدعم الإعلام الشفاف مع أنه ليس حريصا على الإعلام لذاته الشخصية -حفظه الله- ومع تأكدي ولمعرفتي بحساسية الندوة وجلساتها إلا أن اختيار الفريق الهويريني يجعل مسافة الكلمة الصادقة والشفافة من رجال الأمن قريبة من رجل الإعلام الذي يبحث عن الحقيقة وبأيّ ثمن، فكيف وعصر التقنية ووسائل التواصل الإلكتروني في مرمى الأحداث وفي متناول الصغير قبل الكبير، إذ كل واحد في عالم اليوم أصبح يملك قناة أحادية الإرسال ليس عليها رقيب يذكر، وهنا تتعاظم أمانة الكلمة في الإعلام الأمني الذي ينشده رجل الأمن وتحتاجه وسائل الإعلام اليقظة والسريعة.
ولعل مناسبة حديث الفريق الهويريني يجعلني أتناول بعض المحاور المهمة التي أعلنها خلال افتتاحه الندوة رغم أن الرجل يتحاشى الإعلام، فهو رجل يعمل بصمت ونجاحاته مع زملائه مقدرة وتصدر على شاشات التلفزيون لحظة بلحظة، وبإخراج يتسّم بالتّؤدة والعقلانية والحجج والبراهين والصورة الداعمة لمخرجات الخبر الذي سهر عليه رجال الأمن توثيقا واختصارا. نعم كان من بين مفردات هذه الندوة تلك الإشارات التي أرادتها المباحث العامة من الإعلاميين في عصر مصداقية الكلمة، حيث قال: اليوم نبني شراكة بين الإعلام والأمن من أجل هذا الوطن وكشف مخططات الأعداء الساعين إلى الفرقة وتشتيت المجتمع عبر بث الشائعات من خلال نقاط التواصل الاجتماعي، وهذا يحمّل إعلام اليوم مسؤولية كبيرة تجاه الوطن أولا وتجاه أبنائه ورجال أمنه الذين جعلوا شعارهم الوطن أولا.
إننا جميعا على ثغر من ثغور الوطن، وهو الوسيلة الإعلامية التي توجب علينا أمانتها السعي إلى نبذ الخلافات وعدم الالتفات لكل شائعة لنسير بشكل تكاملي، رجل الأمن مع الإعلام والمواطن لمصلحة أمن الوطن. لقد كانت هذه الندوة فرصة لكشف مخططات الأعداء، حيث أبانت كلمة الندوة أن هناك إعلاما شرسا يوجه إلى هذه البلاد من خلال أناس -وبكل أسف- عاشوا في هذا الوطن، وإذا كانت هذه المعلومات التي تقدمها الندوة المتخصصة فإن على الإعلاميين أن يُشهروا سلاح الكلمة الصادقة ويبحثوا عن المعلومة من مصادرها الحقيقية دون زيادة أو نقصان، وهذا يحمل كلًّا منا مع مَنْ يملك فكرا أو قلما أو يشرف على صحيفة أو موقع تواصلي أن يتحرى الصدق فيما يكتب ويُنشر، فكيف إذا كان سلاح هؤلاء بيد المغردين ومصدري المعلومة! أليس من الأهمية أن يتحرى الصدق وهو أحد مرتكزات إعلام اليوم المعاصر.
إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.. لذا فإن المسؤولية المشتركة في مثلث الجامعات والإعلام والأكاديمية الأمنية أن تلتقي الأفكار وتتّحد ليكون الإعلاميون على دراية كافية بالمعلومة وجودة إخراجها، والصدق الذي ينبغي أن يتوج هذه الرسالة، فكل منا على ثغر من ثغور الوطن والأعداء من حولنا يتصيدون المعلومة ليبنوا عليها ألف كلمة، كما هو حال شياطين الإنس والجن في استراق السمع والدجل عليه وبث الشائعات حوله.
لقد أحسنت الأكاديمية صنعا في اختيار الموضوع والوقت ونوعية المتحدثين، فشكرا للأكاديمية هذه الجرأة والمكاشفة، وإلى مزيد من تنوع الفكر والطرح من المؤسسات المتخصصة.