ما لا نرضاه على أنفسنا من امتهان لكرامتنا، أو سوء معاملتنا، يجب ألا نرضى حدوثه للآخرين في أوطاننا، فنحن في الحقيقة لا نختلف عن غيرنا من المجتمعات والشعوب
لم يستطع السعوديون أن يسامحوا موظفي مطار أتاتورك في إسطنبول حينما انهالوا ضرباً بالعصي على أسرة سعودية مكونة من زوجة و3 من أبنائها، السعوديون ثاروا كما ينبغي وطالبوا الحكومة التركية بالاعتذار رسمياً عما حدث، وصعدت سفارة المملكة في تركيا الحادثة وأوصلتها للقصر الجمهوري، ورئاسة الوزراء بتركيا، وطالبت بتحقيق عاجل وفوري في الحادثة، وعلى إثر ذلك تم إعفاء مدير أمن مطار إسطنبول من مهام عمله، وربما يتذكر البعض القصة التي حدثت للسيدات الكويتيات، إذ تم القبض عليهن وزجهن في السجن، بعد عراك نشب في السوق بينهن وبين البائع التركي. القصص التي يتم تداولها عن المعاملة السيئة التي يجدها البعض في تركيا على سبيل المثال كثيرة، ولم تقتصر على حادث أو حادثين فرديين، وفي مقابل ذلك فما لا نرضاه على أنفسنا من امتهان لكرامتنا، أو سوء معاملتنا، يجب ألا نرضى حدوثه للآخرين في أوطاننا، فنحن في الحقيقة لا نختلف عن غيرنا من المجتمعات والشعوب.
وفي كل مرة أسافر بها من خلال أي من مطارات وطني، أبقي عيناي مفتوحتين على اتساعهما، ولم يكن الأمر بحثاً عن الإثارة والجدل، وإنما كنت أود أن أرى المقياس الحقيقي لتعامل الموظفين في المطار مع المسافرين سواءً كانوا مواطنين أو وافدين، وفي الحقيقة، وقبل عام تحديداً، تعرضت لمعاملة في قمة السوء من قبل موظف سعودي يعمل لحساب إحدى الخطوط الخليجية، وكانت عصبية الموظف بسبب تأخرنا عن الحضور في الوقت الملائم، وإغلاق الكاونتر الخاص بالرحلة، ولكن بعد أن وجد المسؤول أن المتأخرين بالعشرات، سمح لنا بقطع بطاقة الصعود إلى الطائرة، ولكن بما أن قريبتي سمعت أحد المسافرين يسأل عن موقع الخطوط الخليجية، فقالت هنا وأشارت إلى المكان الذي كنا نقف فيه، لم يرق للموظف ما قامت به قريبتي، فشعر بالغضب وقام بتقطيع بطاقات الصعود الخاصة بنا أمام مرأى المسافرين، وألقاها في سلة المهملات، تأديباً لقريبتي التي سمحت لنفسها بالإجابة عن سؤال المسافر! هذا التصرف لم أكن لأنساه طوال حياتي، تعجرف الموظف ومعاملته السيئة لجميع المسافرين، الذين كانوا يتلقون عبارات الموظف وكأنها صفعات ولكمات من دون أن ينبسوا ببنت شفة، وللأسف، لأننا شعب طيب ومتسامح، فقد قاومت قريبتي غضبها وحاولت كتمه، وظلت تعتذر للموظف طويلاً، حتى ترجل الفارس البليد عن حصانه، وقام بإعادة إصدار بطاقات الصعود لنا جميعاً، وكانت رحلة في غاية السوء بسبب تلك الفوضى والقعقعة التي مررنا بها.
وقبل أسبوع كنت في أحد مطارات وطني، وكالعادة كنت مثل الوصي على المسافرين، أتابع أحوال وطقس المكان، وحدث أمامي أن رفع أحد موظفي الجوازات صوته على وافد آسيوي ربما يكبر والده بأعوام عديدة، الرجل الوافد الذي كان يحمل عددا من الحقائب اليدوية ويبدو ضجراً وخائفاً من عدم تمكنه من اللحاق بطائرته، بدا مرتبكاً مثل أسرتي قبل عام بسبب نداء الخطوط المتكرر بأنه سيتم إغلاق بوابة الصعود إلى الطائرة، فأخبر الموظف الذي كان واقفاً بلباسه الرسمي ويفترض أن يسهم في رعاية المسافرين، ليقول له الآسيوي إن عليه أن يغادر فوراً بسبب نداء الرحلة، لكن الموظف -والذي يعتبر الشخصية المركزية في المطار- قام برفع صوته وطلب منه أن يعود إلى الصف من دون أي احترام للوافد أو حتى تقديراً لكبر سنه، وكان أن مر الموظف من أمامي فقلت له حرام عليك.. بشويش الله يرحمك، لكنه تجاهل عبارتي وكأنني وجود مجرد خواء.
المزعج في الأمر أنه وبسبب قلة عدد الموظفين، وعدم وجود مسارات كافية لإنجاز خروج المسافرين الأجانب، تم فتح مسار جديد لكن الموظفين في المطار اختاروا الشقر والبيض وأصحاب العيون الزرقاء فقط ليكونوا بعيدين عن رائحة الكاري والبرياني، فلم أجد أكثر من هذه العنصرية المقيتة، والتي جعلتني في حالة من التشويش الذهني، بل في حال من عدم التصديق أنه لا يزال بعض الموظفين يعتقدون أن الوافدين أقل من أن يكونوا آدميين يمكن لهم الحصول على الاحترام والتقدير، وهذا الأمر مؤسف جداً وعلى الأخص حينما يكون في وطني، وحينما وصلت للدولة الخليجية الأخرى، لم يكن الأمر بعيداً عما يحدث في وطني، فقد كان التعامل أسوأ مما كنت أتخيله، حيث كنت مع صديقتي الوافدة في البلد الآخر، واستوقفتنا نقطة تفتيش وكنت حينها قد نسيت محفظتي في شقة الصديقة واضطررنا لإحضارها، وقبل أن نذهب لبيت الصديقة العربية، قال لنا رجل الأمن بصوت حاد أنتم لستم فوق القانون، على الرغم من أننا لم نأت بسيرة إذا ما كنا فوق أو تحت القانون، وحينما أحضرت هويتي الوطنية السعودية، اختلف تعامل رجل الأمن معي لكوني مواطنة خليجية عن معاملته لصديقتي الوافدة، وقد أرهق مشاعري مثل هذا التحجيم والنظرة السلبية لمن تركوا أوطانهم كي يعملوا في خليجنا. لقد أصابني في مقتل الشعور بالخزي ألا تستطيع أجهزة الأمن كبح جماحها في كيفية التعامل مع أي وافد، خصوصاً محاولة إرعابهم نفسياً أثناء تفتيش حقائبهم، أو حينما يطلب منهم الوقوف في الطابور. في الحقيقة ليس ثمة مجهود يبذل لفهم كيفية التعامل مع الوافدين تحديداً، وأنا كمواطنة مسلمة وسعودية لا يمكن لي أن أقبل العنصرية الفجة، أو حتى السكوت عن تعامل بعض أفراد أجهزتنا مع الوافدين.