أسوق لكم اليوم رأي أحد الشباب الناضجين من على حسابه بتويتر، حول قضية ضبط الزميل الإعلامي علي العلياني، وتعبيره عن الحادثة ورؤيته التي أظنها تمثل شريحة عريضة لا يستهان بها من الشباب الجديد، الذي يُعول عليهم لبناء مستقبل كبير لهذا المكان، الشباب الذين يتخلصون من سلطة الانتهازيين، وقبح الأفعال المريبة كلما سنحت لهم الفرصة ليقولوا ما لديهم بصدق.
إذ حين أطالع مثله أجزم أن المستقبل سيكون مبشرا على نحو ما، يشكلونه كما يشاؤون وكما يحلمون، فدعونا نذهب ونتأمل فيما كتبه صديقنا حسين السويدي ذات هم فقال: المتتبع لآراء الناس حول قضايا الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا تلك المرتبطة بالصراع بين التيارات الفكرية يلحظ خطرا كبيرا ومتفاقما يتمثل في الغياب الكبير للقيم الدينية والمبادئ والأخلاقيات العامة، فلا صوت يعلو على صوت الرغبة في إلغاء الآخر ونسفه، وتحقيق الانتصارات الوهمية عليه، والانتقام منه، وإلحاق الضرر به وهزيمته، وصولا للنيل من شرفه وعرضه دون أدنى إحساس بالذنب، بل وصل الأمر بالبعض إلى الرغبة في الإيذاء الجسدي المباشر، أو حتى إخراسهم -في أحسن الأحوال- عن طريق الردود المسكتة، وهي ما باتت تسمى اجتماعيا (نسف الجبهة)، قليل من التأمل لهذه الحشود المنساقة إلى الاحتقان دون وعي، يجعلك تصل إلى حقيقة مفادها أن هذه الصراعات التافهة، تجاوزت وطغت على الأصوات القليلة المنطقية والواعية، وأعمت أبصار أصحابها عن الفكرة التي يزعمون تبنيها والدفاع عنها، وإلا كيف يجرؤ من يدعي أنه يأمر بالمعروف أنْ (يفضح) مسلما وينشر صورته بعد القبض عليه، لمجرد أنه يختلف معه فكريا، متناسيا كل ما غرسه فينا الدين من معان سامية كالستر مثلا؟! وكيف يجاهر أحدهم -في مقطع فيديو نشره بين العامة- أنه فعل الفاحشة في شخص انتقاما منه لأنه تلفظ عليه بألفاظ خادشة في اتصال هاتفي؟
قد نتغاضى عن هاتين الحادثتين بوصفهما تصرفات فردية تمثل أصحابها، ولكن انظروا إلى ردود الفعل حولهما فهي ما يثير الحزن.
هذا التشنج الاجتماعي تجاه الآخر مؤشر خطير جدا، وانتشاره بهذه الصورة يتطلب الالتفات للأسباب التي أوصلتنا إلى كل هذه الحدة والرغبة في الإقصاء.
المؤسف في هذا الأمر، أنْ ترى جماهير بعض الدعاة وهم ينتصرون لأنفسهم ونجومهم عن طريق اقتراف كل هذا القبح المتنافي تماما مع التعاليم الإسلامية، إذ ليس لديهم مانع من اقتراف خصلة النفاق (الفجور في الخصومة) في سبيل الانتصار لأهدافهم الإقصائية، وهذا يمكن تفسيره بأنهم وصلوا إلى حالة أستطيع تسميتها (العمى الأخلاقي) أدت إلى إخفاء كل شيء جميل عنهم، ولم يبق أمامهم سوى التفكير في الانتصار الفارغ، وسحق كل من يختلف معهم بأي طريقة كانت.
انتهى كلام حسين الممتع والمؤلم في الوقت ذاته، وهو نموذج يمثل جيله فكرا وأحلاما وتطلعا، لكن القضايا والحوادث على هذا الصعيد لن تنتهي، وستبقى ما بقي من يكرس للجهل ويدعمه، ستبقى ما دمنا نخرج مع عائلاتنا ونحن نتلفت من حولنا بحثا عن أولئك الذين يترقبون زلاتنا، ستبقى ما بقي سوء الظن مقدما على حسنه، وما بقي من يشرعن لمثل هذه الأفعال المشينة باسم الدين وزعم الانتصار له! وأقول (زعم) لأن الدين في أصله جاء لهداية الناس وليس لعقابهم والتربص بهم ونصب الكمائن وسحلهم على أرصفة الشوارع.
أعرف يا حسين حجم الألم الذي تشعر به، وقسوة أن تحمل هم التفكير في عيش عصرك كما تريد أنت لا كما يريده لك الآخرون، وتقاتل من أجله كي لا يختطفه الانتهازيون، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه مهيئا لما هو أسمى من حمل همٍّ أدنى من إنسانيتك وأحلامك بكثير، لأن التفكير في عدة جهات وعلى عدة جبهات، يشبه حرب طواحين (دون كيشوت) العبثية، وإهدار وتشتيت لقوة العقل الفردي، وإرباك للوعي الاجتماعي، وتعطيل لقوة الشباب ومستقبله، فلك الله يا صديقي.
والتطورات السلبية الأخيرة في الشارع بهذا الاتجاه المعقد تعني أننا على أبواب ردة أخلاقية واجتماعية وإنسانية ليس من السهل تخيل عواقبها، قد تقضي على مفهوم الحياة والتعايش لدى أكثر من جيل قادم، فهل سننتبه إلى خطورة ما يحدث؟.